آخر تحديث :السبت-15 نوفمبر 2025-08:38م
أخبار وتقارير


​أبين تبكي، حين يبكي التراب على زمنٍ كان فيه الخير يُزرع ويُحصد

​أبين تبكي، حين يبكي التراب على زمنٍ كان فيه الخير يُزرع ويُحصد
السبت - 15 نوفمبر 2025 - 07:01 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

في زمنٍ غدا فيه الثوم يُستورد من الصين، والبسباس العدني الذي كانت أبين تتفرّد بنكهته وحرارته يدخل أسواقنا قادمًا من وراء البحار. ويليه السمسم وحبوب الدخن والفول السوداني، وهي الأخرى تأتي من وراء البحار.

​نقف اليوم أمام حقيقة مُرّة: أبين تعيش حالة هوان زراعي لم تعرف لها مثيل. ماذا بقي لأبين تتفاخر به؟

​لم يعد التراب هو التراب، ولا الفلّاح هو الفلّاح، ولا المحصول هو المحصول. تغيّرت الأيام، وتبدّلت الأحوال، حتى صار مزارع أبين يخشى أن يزرع؛ لأن التسويق أصبح أكبر عائق يقف بينه وبين الحياة.

​المزارع اليوم، وإن أمطرت عليه أرضه خيرًا، بسباسًا أحمر من أجود الأنواع أو قطنًا طالما كان تاج دلتا أبين، إلا أن رحلة المنتج بعد الحصاد باتت أقسى من موسم الجفاف نفسه. السوق مغلق، والدولة غائبة، بل أصبحت للأسف عونًا مع الشيطان على إرهاق الوطن، بدلًا من أن تكون سندًا لمزارعيه.

​لكن... ورغم السواد، يبقى هناك نور.

​الوعي بداية النهوض من الركام.

​إن إقامة ورش تدريبية عملية وتوعوية تشجع المزارعين على تصنيع منتجاتهم لم يعد خيارًا، بل هو طوق النجاة الأخير. تحويل المحاصيل إلى منتجات مُصنَّعة ذات قيمة مُضافة هو الطريق الوحيد لكسر قيود التسويق القاتلة.

​خذوا الباباي والمانجا مثلًا: محصول تغرق به المزارع ولا يجد طريقه إلى الأسواق. أفضل منتج له هو العصائر ومشتقاتها والآيسكريم. ولكن أبين تحتاج إلى كهرباء تعمل، ومولدات مأمونة، وربما مشروع تشاركي أو قروض صغيرة لإنشاء مصنع صغير يغيّر وجه الاقتصاد المحلي.

​البسباس العدني... سفير أبين إلى العالم

​صديقي الدكتور فاروق المفلحي، وهو مغترب في كندا، يقول لي بالحرف الواحد: "اليوم في كندا، أزاح معجون البسباس العدني معجون الطماطم من رفوف المتاجر، وصار سعر العلبة 7 دولارات كندية!".

​أترون؟ هذا منتج أبيني خالص، لو صُنِّع في أبين لكان باب رزق هائلًا لمئات الشباب والعائلات.

​القطن ذهب أبين الذي تُهمل ثروته

​يعود القطن اليوم عالميًا كمنتج فاخر يُباع قماشه الأبيض الخام، ثم يُعاد تصنيعه في سويسرا بطباعة ألوان الموضة، ليُباع بعد ذلك في دبي تحت اسم "الدرع" بأسعار تصل إلى 400 درهم إماراتي، وتتضاعف عند إضافة التطريز.

​ويا للمفارقة!

​هذا القماش الذي يتباهى به العالم... أصله قطني، يشبه تمامًا قطن أبين طويل التيلة الذي عُرف منذ قرن بأنه من أجود أنواع القطن في العالم.

​أحد التجار أخبرني أنه يبيع أقمشة من القطن المصري في لندن بسعر 150 جنيهًا إسترلينيًا للقطعة، لأن المزارع لم يستخدم الكيماويات، أي أنه محصول عضوي 100%.

​فقلت في نفسي: أبين كانت هنا... ثم سقطت، لا لأنها لم تكن عظيمة، بل لأن من كان يجب أن يحميها تركها لقدرها.

​القيمة المضافة... المفتاح الذي يعيد الحياة للأرض والمزارع

​الحل لا يكمن في زيادة المساحة المزروعة، بل في تصنيع المنتج ورفع قيمته، حتى يعود المزارع إلى أرضه بإرادته وفخره، لا مضطرًا أو يائسًا.

​بدلًا من أن تتحول أراضي أبين الغنية إلى تراب تذروه الرياح، أو مرتعًا للضباع والهوام، ينبغي أن تتحول إلى مصانع صغيرة، ووحدات تعبئة، ومشاريع تعاونية تضمن حياة كريمة للمزارعين.

​أخيرًا وليس آخرًا:

​إن أبين لا تحتاج إلى معجزة، بل إلى إرادة. إرادة تعيد للتراب هيبته، وللمزارع احترامه، وللمحصول قيمته.

​وحين نقف مع المزارع، ونساعده على تسويق منتجه، ونمنحه الفرصة ليصنع قيمة مضافة، يومها فقط نستطيع أن نقول: نحن هنا، فأين أنتم؟ أبين تنهض... وأبين تعود.

​عبدالقادر السميطي - دلتا أبين