خاص/متابعات
في بلدٍ أنهكته الحروب والانقسامات، كان الأمل الأخير أن تظل المدرسة واقفة، أن تبقى السبورة منارةً وسط ظلام السياسة، وأن يسمع الطفل جرس الحصة بدل أصوات البنادق.
لكن يبدو أن وزارة التربية – في عهد الوزير الحضرمي – قررت أن تطفئ حتى هذا الضوء الأخير.
فالفصول مغلقة، والمناهج غائبة، والطلاب تائهون بين صمت الوزارة وصبر أولياء الأمور، بينما الوزير وطاقمه يعيشون في عالمٍ موازٍ، يملؤه الكلام الفارغ والتبريرات المكررة.
لا خطة، لا رؤية، لا ضمير وظيفي.
فقط كراسٍ دافئة وقرارات باردة!
أيُّ وزارة هذه التي تعجز عن إنقاذ عامٍ دراسيٍّ كامل؟
أيُّ وزيرٍ هذا الذي يرى جيلاً بأكمله يُدفع إلى الجهل ولا يتحرك فيه إحساس بالمسؤولية أو الخجل؟
في الدول التي تحترم شعوبها، يستقيل الوزير إذا تعثّر مشروع صغير، أو تعطلت مدرسة واحدة.
أما عندنا، فالعملية التعليمية تتوقف بالكامل، والطلاب بلا كتب ولا معلمين، والوزير لا يزال يوزّع الوعود كأن شيئًا لم يحدث.
إن الاستقالة هنا ليست عقوبة، بل شرفٌ لا يليق بمن جعل التعليم مجرّد عنوانٍ بلا مضمون.
شرفٌ لن يناله من حوّل المدرسة إلى خبرٍ في نشرة المساء، وحلم الطفل إلى ذاكرةٍ حزينة.
الوزير الذي لا يسمع أنين المعلم، ولا يرى وجع الطالب، فقد سمعه وبصره وبصيرته معًا.
لقد صار التعليم في زمنه رهينةً للتبريرات والبيانات، بينما المعلم يقتات على الوعود، والطلاب يدرسون على “الفراغ”.
فهل يُعقل أن تتحول وزارة التربية إلى أكبر مؤسسة لإنتاج الصمت؟
لا نحتاج إلى وزيرٍ يجيد الخطابة أو يلبس ربطة عنق في المؤتمرات، بل إلى رجلٍ يملك ضميرًا حيًّا وجرأة الاعتراف بالفشل.
التاريخ لا يرحم، والكرسي لا يُخلّد أحدًا، والوزير الذي لم يستطع حماية التعليم، سيُذكر كمن ساهم في كتابة فصلٍ مظلم من مستقبل هذا الوطن.
يا معالي الوزير...
الكرسي الذي تجلس عليه لم يُخلق للبقاء، بل لخدمة الناس.
وإذا عجزت عن إنقاذ التعليم، فدع المكان لمن يملك القدرة على الإصلاح، فالأجيال لا تنتظر، والجهل لا يرحم.
إن أخطر ما نواجهه اليوم ليس فقط انهيار العملية التعليمية، بل ترسيخ ثقافة اللامبالاة، حيث يصبح الفشل أمرًا عاديًا، والمناصب مكافأة على العجز.
أوقفوا مهزلة التجهيل، قبل أن نصحو على جيلٍ لا يعرف حتى معنى كلمة “وطن”.