آخر تحديث :الخميس-02 أكتوبر 2025-11:04م

لن أقايض مارشالًا بملازم": عندما فضّل ستالين الوطن على ابنه

الخميس - 02 أكتوبر 2025 - الساعة 09:35 م

حافظ الشجيفي
بقلم: حافظ الشجيفي
- ارشيف الكاتب

منذ فترة وانا ابحث عبر شبكة الانترنت في تاريخ الاتحاد السوفيتي الشائك، بدءا بالثورة البلشفية على روسيا، بقيادة فلاديمير لينين، التي اطاحت بعروش القياصرة ونظامهم الملكي الطويل، مُعلنةً ولادة فكرة الاشتراكية الماركسية في الحكم. حيث شهدت السنوات الأولى من الثورة حروبا اهلية عصفت بالكيان الوليد، قبل أن يسدل الستار على عهد لينين القصير، ويصعد إلى سدة الحكم جوزيف ستالين، أطول حُكّام الاتحاد السوفيتي بقاءً في السلطة.

وتحت قُبّة حُكم ستالين، خاضت البلاد غمار تحولات عظيمة لم تقتصر على الانتصارات العسكرية ضد النازية ودول المحور التي لا تُنسى فحسب، بل امتدت لتشمل قفزات صناعية هائلة حولت دولة زراعية متأخرة إلى قوة عظمى تنافس أمريكا في فترة وجيزة، ولو بثمن باهظ من أرواح وكرامة البشر. فكانت فترة حكمه، التي امتدت من منتصف العشرينيات حتى وفاته في مطلع الخمسينات، هي عهد "التصنيع الجماعي" الذي قام على أكتاف الخطط الخمسية الطموحة، مركزًا على بناء القوة الصناعية الثقيلة والعملاقة، على حساب المنتج الزراعي والسلع الاستهلاكية،

ولعل أروع ما استوقفني في هذا السياق التاريخي قصة تجلت فيها أسمى معاني الوطنية والإخلاص للوطن والامة الروسية، حدثت إبان احتلال ألمانيا النازية للاتحاد السوفيتي في غمار الحرب العالمية الثانية، أو ما أسموه هم "الحرب الوطنية العظمى". حيث كان، الابن الأكبر لستالين، ضابطًا برتبة ملازم في الجيش الأحمر حين وقع أسيرًا في قبضة القوات الألمانية خلال المراحل الأولى من الغزو. وفيما كانت رحى الحرب تدور في تلك الاثناء، عرضت ألمانيا على ستالين صفقة مقايضة ابنه بضابط ألماني رفيع المستوى أسره السوفييت، بعد ان استسلم في معركة ستالينغراد.

ولكن جاء ردّ ستالين، القائد الذي وصف بالديكتاتور ومسؤول عن آلام الملايين، قاطعًا ومُزلزلًا، مرددًا مقولته المأثورة التي تُسطّر بماء الذهب في صفحات التاريخ: "لن أقايض مارشالًا بملازم." في كلمات نابعة من إيمان عقائدي قاسٍ بأنّ الوقوع في الأسر هو شكل من أشكال الخيانة الوطنية، وأنّ الجندي الروسي يجب أن يقتل في ساحة المعركة ولا يرفع راية الاستسلام. وهكذا تمّ قتل ابن ستالين في المعتقل الألماني، ليُضرب هذا الموقف أروع الأمثلة في تفضيل الواجب العام على العاطفة الأبوية، فكم من زعيم اليوم قد يضحي بفلذة كبده لأجل مبدأ وطني صارم .

لقد كان هذا الإصرار على القوة، سواء تجلّى في التضحية الشخصية أو في السياسات الداخلية القاسية، هو ما مهّد الطريق لانتصار الاتحاد السوفيتي العظيم على النازية، وهو ما مكّن البلاد من إنتاج ترسانة ضخمة من المعدات العسكرية الحديثة، ليغدو هذا النصر العسكري أبرز الإنجازات التي تحققت في عهد ستالين. وبعد انقضاء الحرب، تأسست على يديه الكتلة الشرقية التي أحكمت القبضة الشيوعية على دول أوروبا الشرقية. كما عمل ستالين على رعاية البرنامج النووي السوفيتي بقوة، الذي أثمر عن تفجير أول قنبلة ذرية سوفيتية، دافعًا بالاتحاد السوفيتي بقوة إلى مصاف القوى العظمى النووية، ومؤسسًا لنظام عالمي ثنائي القطب بين الشرق والغرب، ومؤكدًا مكانة الاتحاد السوفيتي كقوة تنافس الولايات المتحدة الأمريكية.

وفيما كان ستالين قد استلم دولة أنهكتها الحروب والاضطرابات، بعد سقوط النظام القيصري ومرورها بمرحلة الحرب الأهلية، والسياسات الاقتصادية المتذبذبة في عهد لينين. إلا انه وبفضل سياساته القاسية والمركزة، استطاع تحويل تلك الدولة في زمن قصير من اقتصاد زراعي متخلف إلى قوة صناعية وعسكرية عظمى، ولكن كما ذكرنا، كان الثمن باهظًا من القمع السياسي الذي لم يرحم، والضحايا البشرية الهائلة التي خلفتها هذه التحولات الجذرية.