آخر تحديث :الإثنين-29 سبتمبر 2025-01:43ص

تعليمات البنك المركزي اليمني: منطق نقدي معكوس وتفاقم للأزمة المعيشية

الإثنين - 29 سبتمبر 2025 - الساعة 12:18 ص

حافظ الشجيفي
بقلم: حافظ الشجيفي
- ارشيف الكاتب

يشهد القطاع المالي والمصرفي في عدن مؤخراً تدخلاً لافتاً من البنك المركزي اليمني، من خلال قيامه باصدار تعليمات غير مفهومة للصرافين بوقف شامل لعمليات بيع وشراء العملات الأجنبية من المواطنين على نحو يتعارض بشكل صارخ مع أبجديات وقواعد المنطق الاقتصادي والمالي، خاصة فيما يتعلق بمنع شراء العملات الأجنبية من المواطنين.


فعادة ما يتم تبرير منع بيع العملة الأجنبية للمواطنين كآلية لترشيد الاستهلاك أو لتقليل الضغط على الاحتياطي النقدي للبلاد. لكن الغموض والدهشة يكتنفان التعليمات التي قضت بمنع شراء العملة من المواطنين والعملاء.اذ لا يوجد مبرر اقتصادي أو نقدي منطقي يجعل البنك المركزي يمنع المؤسسات المرخصة من استقطاب العملة الصعبة من المواطنين ففي الظروف الطبيعية، وغير الطبيعية يشجع أي بنك مركزي على جذب العملات الأجنبية لتعزيز موارده ودعم سعر صرف العملة المحلية.

والنتيجة المباشرة التي تترتب على هذا الإجراء تتمثل في دفع المواطنين الذين يتقاضون رواتبهم أو يملكون مدخرات بالعملات الأجنبية نحو السوق السوداء. ليصبح المواطن مضطراً لبيع ما بحوزته من دولار أو ريال سعودي في سوق غير رسمي، بعيداً عن الرقابة المصرفية، وبسعر أقل بكثير من السعر الرسمي المحدد في البنوك والصرافات المُرخصة.


من الواضح أن الغرض الفعلي لهذا الإجراء هو استنزاف مدخرات ورواتب المواطنين. فمن خلال منع القنوات الرسمية من شراء العملات ، يتم خنق السيولة الأجنبية في القطاع المصرفي النظامي، وتوجيهها قسراً إلى المضاربين في السوق الموازية. حيث يستفيد هؤلاء المضاربون من اضطرار المواطن للصرف الفوري، فيشترون العملة الصعبة بأسعار بخسة، ما يؤدي عملياً إلى تقليص قيمة رواتب المواطنين ومدخراتهم بشكل غير مباشر.

ويزداد الأمر سوءاً عند النظر إلى التناقض المعيشي عندما يضطر المواطن لبيع عملته الأجنبية بسعر منخفض، بينما تباع كافة السلع الأساسية والمواد الغذائية في الأسواق المحلية بسعر صرف أعلى من السعر الرسمي للدولار والريال السعودي والإماراتي. وهذا يعني أن المواطن يخسر مرتين: الأولى عند البيع، والثانية عند الشراء.

إن غياب أي منطق اقتصادي سليم يبرر منع شراء العملة الأجنبية من المواطنين، يضع القرار تحت مجهر التساؤل حول دوافعه الحقيقية. فعندما تتعارض الإجراءات النقدية المعلنة بشكل صارخ مع الفوائد الاقتصادية المتوقعة ومع المصالح العامة للشعب، فلابد ان تكون الأهداف الكامنة وراء ذلك سياسية وليست اقتصادية أو نقدية .

هذه السياسة المالية، التي تُضعف القوة الشرائية وتستنزف المدخرات الشخصية للمواطنين بتفريغها في قنوات غير رسمية بأسعار زهيدة، لا يمكن وصفها بانها إجراء يهدف إلى استقرار العملة أو دعم التنمية. بل تبدو كأداة ضغط تستهدف تفقير الشعب عبر التحكم القسري في قيمة عملاته ومدخراته، الامر الذي يثير الشكوك حول خدمة القرار لأجندات سياسية خارجية لا علاقة لها بالمصلحة الاقتصادية العليا للمواطن أو الدولة.