آخر تحديث :الثلاثاء-30 سبتمبر 2025-11:23م

رسالة للرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي

الثلاثاء - 30 سبتمبر 2025 - الساعة 09:56 م

حافظ الشجيفي
بقلم: حافظ الشجيفي
- ارشيف الكاتب

فخامة الرئيس والقائد عيدروس قاسم الزبيدي..

أيها الرجل الذي اختارته أقدار الجنوب ليحمل أمانة شعب، ويقف على مسرح التاريخ ليؤدي دورًا لا يقبل القسمة على اثنين، ولا يرضى بالحلول الوسط. أكتب إليك اليوم من صميم وجدان هذا الشعب الجنوبي الذي فوضك في عام 2017 من ساحة العروض في عدن، تفويضا لا شريك له في تمثيله، ومؤتمنًا على قضيته الوطنية في استعادة وإعلان دولة الجنوب كاملة السيادة.

لقد كانت تلك اللحظة تتويجًا لملحمة دماء، وعرق، وتضحيات جسام؛ إذ تحررت الأرض من دنس الاحتلال العسكري الشمالي بـصلابة المناضلين، ودماء الشهداء المخلصين، وثبات الجرحى الأبطال وبسالة كل ابناء الجنوب .فكان تحرير الأرض عسكريًا هو مقدمة منطقية وحتمية للتحرير السياسي وإعلان قيام الدولة، وهو العرف الذي سارت عليه الأمم، ويكفي لتحقيق هذا الهدف ان يتم تحرير العاصمة،فقط فكيف وقد تحرر الجنوب بالكامل؟حيث كان هذا الانتصار العسكري أشبه بـتذكرة سفر إلى الاستقلال، مدفوعة الثمن بغير رجعة، تنتظر فقط من يختم عليها بـإعلان الدولة.


فخامة الرئيس، لقد مرت منذ ذلك التفويض التاريخي عشر سنوات كاملة إلا بضعة أشهر. وفي عرف التحرر الوطني، فإن هذه المدة تشكل دهرًا سياسيًا، كافيا لبناء دولة بكل مؤسساتها المدنية واالعسكرية فما كان يجب أن يستغرق سوى أيام معدودة، أو على الأكثر أسابيع أو بضعة أشهر على اكثر تقدير، فقد امتد ليصبح عقدًا كاملا من الزمن.

وخلال هذه الأعوام الطوال، لم يكن الثمن الذي يدفعه المواطن الجنوبي هو الصبر فحسب، بل كان ولازال هو المعاناة اليومية ايضا التي فاقت مآسي عقود الاحتلال مجتمعة. فقد عانى شعبك، الذي وضع فيك كل آماله، من الأزمات الاقتصادية والخدمية الخانقة والجوع والفقر والحرمان الممنهج والفساد المستشري والنهب المنظم لثروات الجنوب وقطع الرواتب.

وكانت رؤيتنا امام هذا الحال أنك، وبوصفك المفوض،من قبلنا ستكون السد المنيع في وجه هذا العبث. ولكن، للأسف، رأى الشعب أن الإمكانيات التي كان يفترض أن تُسخَّر لحمايته وتحقيق حلمه، قد سخرت نحو تثبيت أركان شراكة أعادت القوى التي كانت تعذب شعبه إلى عدن، كشريكة في احتلال جديد يتخفى في ثوب شرعية هشة.


فخامة الرئيس، لا ينكر عاقل أنك قد أسست جيشًا جنوبيًا مدربًا ومسلحًا؛ قوة عسكرية تُعد مفخرة ومقومات دولة راسخة. ولكن، هنا تكمن المفارقة المأساوية فما جدوى هذا الجيش إن لم يتم إعلان الاستقلال؟ وما قيمته إذا ظل الشعب الجنوبي تحت نير الاحتلال المحمي بهذا الجيش نفسه؟

إن التاريخ يشهد بأن الدول التي تحررت من الاستعمار لم تنتظر امتلاك جيش منظم قبل إعلان استقلالها؛ بل أعلنت الاستقلال أولًا، ثم بنت جيشها في سنوات لاحقة أما أنت، فقد امتلكت الجيش، والأرض المحررة بالكامل، والعاصمة المستقلة فعليًا، وكل مقومات الدولة الجاهزة، ومع ذلك، مضت عشرة أعوام من الصمت السياسي دون إعلان الاستقلال أو توضيح مقنع للأسباب.

ومع انه توفرت لك فرص تاريخية لم تُتح لقائد أو شعب من قبل، حيث عانى المحتل من حروب وانقسامات داخلية طاحنة وخلافات مع شعبه ومع القوى الإقليمية والدولية (بما فيها مواجهات مع أمريكا وإسرائيل).وفي خضم هذا الضعف المطبق على المحتل، لم تُقتنص تلك الفرص الذهبية التي كانت ولازالت تصب في صالح الجنوب عسكريًا وقانونيًا ودبلوماسيًا. والأدهى من ذلك، انه حينما أعلن المحتل إغلاق حدود اليمن مع الجنوب العربي، معلنًا بذلك استقلال الجنوب عمليًا على أرض الواقع، تمسكت أنت بـالنقيض، وبقي الجنوب مُرغمًا على الارتباط بالشمال، في تجاوز واضح للواقع المفروض.


فخامة الرئيس، لقد أصبحت اليوم في مواجهة مع الشعب الجنوبي الذي يشعر بـالخذلان العميق. ليس فقط لأنك لم تعلن الاستقلال، بل لأنك -وفقًا لمشاعر ابناءه- لم تدافع بصلابة عن كرامتهم، وتركت الأعداء ينهشون في جسدهم بـالجوع، والفقر، وقطع الرواتب، والعبث بالثروات؛ لإرغامهم على التخلي عن قضيتهم، بينما أنت تتفرج وكأن الأمر لا يعنيك بل وكأنك تنتظر ركوعهم واعلان استسلامهم لقوى الاحتلال والقبول بمشاريعها...

فلا غرابة إذن والحال كذلك أن بدأ الشعب يفقد ثقته؛ فقد تحولت في نظره من حلم إلى كابوس، ومن منقذ إلى وحش يهدد طموحاته.

ومن هنا أقول لك الحقيقة الناصعة التي قد يحجبها عنك المطبلون والمستفيدون الذين يضعونك في وهم البطل المنقذ: هؤلاء هم من سيقودونك إلى الخسران المبين.

فخامة الرئيس،

إن هذا الشعب لن يتخلى أبدًا عن هدفه في الاستقلال الذي ضحى من أجله بالغالي والنفيس. وسيفرط فيك كما فرطت أنت فيه، وسيتجاوزك إن لم تعد إلى جادة الصواب. فهو لم يختارك لتاريخك، بل اختارك وفوضك لأنك رفعت لهم شعار الاستقلال ووعدتهم بتحقيقه.

تدارك الموقف اليوم قبل فوات الأوان، وارتبط مجددًا بالثقة التي منحك إياها الشعب. والفرصة لا تزال سانحة، فلا تجعلها تهرب من بين يديك فتصبح مجرد ذكرى مرة في سجل التضحيات الجنوبية.

مع فائق الاحترام ومحبة الوطن،

حافظ الشجيفي

مواطن جنوبي مخلص ينتظر فجر الحرية الناجز.