كتب/صالح أبو عوذل
المتابع اليوم للخطاب الإعلامي الموجَّه ضد الجنوب، سواء عبر وسائل إعلام تُضخ عليها أموال طائلة، يلاحظ بوضوح ازدواجية فاضحة في الموقفين السياسي والعسكري الداعمين لرشاد العليمي.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: هل الحرب التي يُحضَّر لها عبر ميليشيات تمتد من الهاشمي إلى المعبري وغيرهما، هي فعلاً دفاعاً عن «الوحدة اليمنية»، أم أن الهدف الحقيقي يتمثل في فرض نفوذ على ساحل بحر العرب؟
وإذا افترضنا جدلاً أن هذا التحشيد يأتي دفاعاً عن مشروع الوحدة اليمنية، من دون الدخول في نقاش الإيمان بها أو مستقبل الحدود، فإن هذه الفرضية نفسها سقطت عملياً في 21 سبتمبر 2014، عندما سيطرت جماعة تنتمي إلى أسرة يمنية محدودة على العاصمة صنعاء، وأسقطت الدولة، وأقامت نظاماً قائماً على فكرة «ولاية الفقيه»، ونصَّبت عبدالملك بدر الدين الحوثي زعيماً روحياً ومرشداً أعلى في اليمن.
الدفاع الحقيقي عن الوحدة اليمنية لا يكون عبر التحشيد في شرورة أو فتح جبهات جانبية ضد الجنوب، بل بأن يغادر رشاد العليمي مقر إقامته، ويتجه إلى مأرب، ويقود ما يُسمى بالجيش الوطني لاستعادة العاصمة صنعاء وإعادة الحوثيين إلى جبال مران، واستكمال أهداف «عاصفة الحزم» بعودة الشرعية إلى العاصمة اليمنية. عندها فقط يمكن الحديث عن حرب وطنية ذات معنى، لا عن صراع نفوذ إقليمي مغلَّف بشعارات كبرى.
أما الخيار الثاني، فهو أن يغادر العليمي مقر إقامته باتجاه باب اليمن، ويعلن انضمامه صراحة تحت إمرة مهدي المشاط. عندها فقط يصبح حديثه عن «الدفاع عن الوحدة اليمنية» منسجماً مع الواقع، بوصف الهدف إقامة نظام ملكي يمني على شاكلة الإمامة المتوكلية الهاشمية، مع فارق أن دور العليمي في هذا البلاط لن يكون شبيهاً بدور عبدالله السلال، بل دوراً ثانوياً في بنية حكم جديدة.
لكن الحقيقة الواضحة، التي لم تعد تقبل التأويل أو المراوغة، هي أن رشاد العليمي بات خارج معادلة الحاضر والمستقبل، فهو لا يملك قرار خرق التفاهمات مع إيران والذهاب إلى مواجهة الحوثيين، ولا يملك الجرأة على مغادرة وضع «الإقامة» والانضمام العلني إلى مشروع الحوثي. هو عالق بين خيارين لا يملك شجاعة الذهاب إلى أي منهما.
لذلك، فإن الأصلح له، ولليمنيين عموماً، هو التوقف عن التحريض على القتل وسفك الدماء باسم «الدفاع عن الوحدة اليمنية»، في حين أن المشروع الحقيقي المطروح على الأرض هو مشروع نفوذ توسعي لا علاقة له بالوحدة ولا بالدولة ولا باستعادة صنعاء.
رشاد العليمي بات اليوم شبه معزول في مقر إقامته، ولا يمتلك سلطة فعلية على الأرض. حضوره السياسي تحوّل إلى ورقة مساومة أكثر منه موقعاً قيادياً حقيقياً. وعلى الصعيد الحكومي، لا يملك أدوات تنفيذية مؤثرة، حتى في محافظة مأرب التي يُفترض أنها خاضعة لسلطة مجلس القيادة الرئاسي.
العليمي لا يستطيع التدخل في الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها عضو مجلس القيادة الرئاسي سلطان العرادة، ولا يملك القدرة على فرض قرارات مركزية داخل مؤسسات يُفترض أنها تعمل ضمن إطار سلطة واحدة.
في المقابل، أعلنت غالبية الوزارات والمؤسسات الحكومية والجهات السيادية، بشكل صريح، اصطفافها مع مشروع الجنوب، ما جعل هامش الحركة المتاح أمام العليمي شديد الضيق. ولم يتبقَّ له فعلياً سوى خيارات شكلية، من قبيل إقالة مسؤولين أو تعيين حكومة جديدة، وهي خطوات – إن أُقدِم عليها – لن تغيّر من موازين القوة على الأرض، بقدر ما ستؤكد أن الخيارات السياسية المتاحة قد استُنفدت إلى حد بعيد.