كتب/م. عبدالقادر خضر السميطي
في حياتنا اليومية، نقابل أشخاصًا يأتون إلينا طلبًا للمشورة، ظنًا منهم أننا سنقدّم لهم مفتاح الحل أو نضيء لهم الطريق. وما إن نفتح ملفات الخبرة والمعرفة ونستحضر ما لدينا من تجارب ومعلومات واجتهادات، وندخل في حالة من العصف الذهني لنساعدهم، حتى نتفاجأ بأنهم في الحقيقة لا يريدون الاستشارة ولا يبحثون عن رأيٍ آخر، بل يريدون فقط أن يسمعوا صدى أفكارهم.
وقد أصبحت هذه ظاهرة أكثر انتشارًا مما نتصوّر، وهذه المواقف تتكرر كثيرًا في المجتمع. أشخاص يطلبونك بعبارة: ما رأيك؟ رأيك يهمني! دلّني على الطريق الصحيح! لكنهم ما إن تبدأ بالحديث حتى يتحوّل الحوار من استشارة إلى مناظرة، ومن طلب رأي إلى محاولة فرض رأي.
تلاحظ أنهم يرفعون الصوت، وينفعلون، ويقاتلون لإثبات وجهة نظرهم… وكأن الهدف من حضورك ليس الاستشارة بل منحهم "ختم الموافقة" فقط.
فمثلًا…
1. أحد الموظفين يخطط لبدء مشروع صغير، جاء إلى صديق خبير ليستشيره. بدأ الخبير بشرح المخاطر والفرص، لكنه فوجئ بالموظف يقاطعه مرارًا:
"لا لا لا… ما أشوف إنها مخاطرة… المشروع مضمون… ناجح 100%!"
هنا أدرك الخبير أن صاحبنا لم يأتِ ليستمع للنصيحة، بل جاء يبحث عن مَن يوافقه على قرار اتخذه مسبقًا.
ومثال آخر…
2. شاب يسأل عمه عن رأيه في شراء سيارة مستعملة. يبدأ العم بشرح الأعطال المحتملة ونصائح الفحص، لكن الشاب يقفز سريعًا:
"يا عمّي، السيارة نظيفة… صاحبها ثقة… وما فيها شيء…"
إذن لماذا الاستشارة؟
لأن الشاب يريد دعمًا عاطفيًا لقراره، لا رأيًا فنيًا.
3. أحد الأصدقاء يأتيك غاضبًا من خلاف مع زميله، ويطلب نصيحتك. تبدأ بطرح حلول هادئة وعملية، لكنه ينفجر:
"لا.. لا.. المفروض يعمل كذا! أنا الذي معي حق!"
هو لم يأتِ ليستشير… هو جاء ليبحث عن "محامي دفاع" لا مستشار.
---
لماذا يحدث هذا؟
هناك عدة أسباب تجعل البعض يطلب الاستشارة بينما هو لا يريدها فعليًا:
تأكيد الذات: يبحث عمّن يثبت أنه على حق.
الخوف من الاعتراف بالخطأ: رأيك قد يصدمه، فيرفضه.
العاطفة تتغلب على المنطق: فيتحول النقاش إلى معركة دفاعية.
قرار مسبق جاهز: الاستشارة هنا مجرد طقس اجتماعي لا أكثر ولا أقل.
---
كيف نتعامل مع هذا النوع من الناس؟
كن هادئًا… ولا تدخل معركة ليس لها داعٍ.
اسأل بلطف: هل تريد رأيي فعلًا؟ أم تريد أن أسمعك فقط؟
إن شعرت أن الحوار يتحول إلى صدام… اختصر الجهد.
لا تجادل من لا يريد الحقيقة… فالوقت أثمن من الدخول في جدال عقيم.
وبكل صراحة، الاستشارة مسؤولية، لكنها لا تحقق هدفها إلا إذا كان الطرف الآخر مستعدًا لسماع الحقيقة.
والحياة علمتنا أن الاستماع فن، والاقتناع شجاعة، والاعتراف بالخطأ نضج وحكمة.
---
أخيرًا
إذا رغبت في استشارة أهل الخبرة، فافتح قلبك قبل أذنيك، فالنصيحة الصادقة قد تختصر عليك سنوات من التعب والخسارة.
عبدالقادر السميطي
دلتا أبين