كتب/د .عيدروس نصر
تعيش اليمن، بسلطتها الشرعية وبقواها السياسية المتصارعة وأطرافها العسكرية المتنافسة، أزمةً عامة تشبه معها حالة الإنسان المريض المرقَّد في غرفة الإنعاش، الذي يستمد عناصر بقائه على قيد الحياة، من خلال المكملات الغذائية الإسعافية التي تأتي عن غير طريق الفم وطرق التغذية التقليدية، بل عن طريق الوريد أو الكبسولات التي تعطى بأية طريقة غير تقليدية، المهم هو إطالة عمر المريض المشرف على الموت، ولو لأيام أو أسابيع عسى أن يجد له الأطباء مخرجاً معيناً ولو بالمصادفة، قبل أن يلاقي قدره المحتوم.
ويعلم الجميع، أن هذه الأزمة المستفحلة تشمل كل مجالات الحياة، فإذا كان المواطن العادي صاحب الدرجة الوظيفية المحترمة، كالطبيب والمعلم والأستاذ الجامعي والمهندس أو الموظف في المؤسسة الإدارية أو الخدمية المهمة ومثلهم جنود وضباط القوات المسلحة والأمن، المناط بهم حماية الأرض والعرض والبشر وتوفير الأمن والاستقرار لكل أهل البلاد، كل هؤلاء لم يستلموا مرتباتهم ، المصدر الرئيسي للإنفاق على أسرهم لعدة أشهر متواصلة، فإن الحديث عن تفعيل المؤسسات والهيئات التي هي أقل أهمية من بقاء المواطنين على قيد الحياة، يبقى ترفاً عبثياً أو لنقل عجزاً في ترتيب الأولويات، وارتباكاً في تحديد الأهم والمهم والأقل أهمية وعديم الأهمية.
في هذا السياق، يمكننا الحديث عن أزمة البرلمان اليمني وعجز قيادته (أقصد هيئة رئاسته) عن الاجتماع بكامل قوامها، ناهيك عن تفعيل البرلمان نفسه ولجانه المتخصصة، ويمكن التعرض لعدد من التعقيدات والمشكلات المتصلة بهذا البرلمان الذي قريباً سيكمل ربع قرن على انتخابه، لكنني أشير إلى الحقائق التالية:
1. أن هذا البرلمان قد تقادم به الزمن بحيث تجاوز ثلاثة أضعاف عمره القانوني والدستوري، ومن الناحية البيولوجية اختار الله إلى جواره أكثر من ربع (إن لم يكن أكثر من) أعضائه، والذي انتُخِب عازباً في العام 2003م أصبح اليوم جَدّاً وربما يتهيأ لتزويج أحفاده.
2. إن أزمة البرلمان هي جزء من أزمة البلاد العامة، التي تعيش حالة انقسام وانقلاب وحربٍ لم يقترب الفاعلون، لا المحليون ولا الإقليميون ولا الدوليون من ابتكار حلولٍ واقعيةٍ لمعالجتها، وربما هناك من لا يريد تلك الحلول، لأسباب تتعلق بأجنداته الخاصة التي لا تتماشى مع استقرار البلاد وحل معضلاتها وتطبيع الحياة العامة فيها.
3. إن هذا البرلمان الذي يعبر عن زمن غير الزمن الذي يعيشه الشعب، وعن ناخبين غير مواطني اليوم، وعن جغرافيا غير جغرافية اليوم، هو الآخر منقسمٌ مثل كل كل شيء في هذه البلاد المنقسمة، فهناك برلمان في صنعاء يعيش نفس الشيخوخة والعجز والتقادم، لكنه يشبه الكائن الحي الذي ما يزال يمارس الوظائف البيولوجية، ويبدو أكثر عافيةً من شقيقه في الجنوب، بيد أن مسألة وصوله إلى المرحلة التي وصلها شقيقه الشرعي مجرد مسألة وقت، وتلك النقطة جديرة بالتتبع والبحث والتأمل والمتابعة، من قبل أشقائه البرلمانيين الذين يفترض أنهم يتحكمون بالمناطق المحررة، ومحورها ومركزها محافظات الجنوب وعاصمتها التاريخية عدن.
4. هذه النقطة تقودنا إلى أهمية الإقرار بالحقيقة التي لا يرغب الزملاء البرلمانيون (الشرعيون) بمن فيهم الزملاء رئيس وأعضاء هيئة رئاسة البرلمان، ورؤساء الكتل البرلمانية الاعتراف بها، والمقصود هنا أن البرلمان لا يشبه القاعدة الجماهيرية التي يريد أن يحكم أرضها وجغرافيتها وديمغرافيتها وثرواتها ومواردها ومستقبلها، ومصير أجيالها الراهنة والمستقبلية، وهو ما يجعلنا ننتقل إلى الحقيقة الخامسة
5. إن هذا البرلمان، الشرعي، وشقيقه الانقلابي، يمثلان برلمان شرعية 7/7/ 1994م، ويريد (أعني برلمان الشرعية) أن يتعامل مع المعضلات القائمة بدستور 7/7 بعد ما عدل 102 من مواد دستور 1990م، أي إن البرلمان هو برلمان المنتصرين في 1994م، ويريد أن يحكم الشعب المهزوم في تلك الحرب اللعينة، ولا يقبل أعضاؤه الشعور بأنهم قد أصبحوا مهزومين، وأن المنتصر الوحيد هو الشعب الجنوبي الذي اختطفوا منه انتصاره وسخروه كأداة لاستغلال هذا الشعب والتحكم في مستقبله.
إن الغالبية العظمى من الزملاء أعضاء برلمان الشرعية، ينتمون إلى وسط جغرافي وديمغرافي يقع تحت سيطرة الجماعة الحوثية التي انقلبت وحلفاؤها السابقون على الشرعية، وهيمنوا على كل شيء في تلك الجغرافيا، ولدي من الشواهد ما يقنع الكبير والصغير أن أهم الشخصيات في الدوائر الانتخابية التي ينتمي إليها الزملاء البرلمانيون (الشرعيون)، تردد الصرخة ليلاً ونهاراً، بل إن هناك من يساهم في التحشيد للمراكز الصيفية وحملات التجنيد للشباب في تلك الدوائر لصالح حروب هذه الجماعة المتحكمة في الجغرافيا والديمغرافيا في الجمهورية العربية اليمنية (السابقة).
وأخيرا، رسالتي إلى الزملاء رئيس وأعضاء البرلمان.
لقد فشلتم في إرسال رسالة ودٍّ واحترامٍ إلى أهالي الشهداء والجرحى الذين تسببت سلطاتكم في فقدانهم أهاليهم وأبنائهم وذويهم، سواء شهداء وجرحى حرب 1994م أو شهداء وجرحى ثورة الحراك السلمي الجنوبي أو شهداء وجرحى حرب الغزو الحوثي-العفاشي في العام 2015م التي ساهم بعضكم فيها وأبدى قناصوكم فيها مهارةً لا تُنافس في قتل النساء والأطفال والعجزة من الجنوبيين في العاصمة عدن ومناطق لحج وأبين والضالع وشبوة وحيثما وصلت قواتهم المعتدية حينما كان أغلبكم في صف العدوان والانقلاب.
إنني هنا أُأَكد حقيقة كنت قد ناشدتكم بها في العام 2019 حينما عقدتم اجتماعكم في مدينة سيؤون الجنوبية، وقلت لكم ابعثوا رسالة ودية إلى المواطنين الجنوبيين تعبرون فيها عن تقديركم لتضحياتهم ومعاناتهم جراء حروب العدوان عليهم، وكررتها لكم في اجتماع أبريل 2022م في عدن حينما طالبتكم، بثلاث قضايا ليس فيها أي تعقيد أو صعوبة ولا تحتاج إلى مهارة أو عبقرية استثنائية، وهي:
1. أن تعتذروا لشعب الجنوب عن غزو 1994م وما ترتب عليه من تداعيات أنتم تعلمون علم اليقين أنها كانت كارثية على الجنوب والجنوبيين وحتى عليكم أنتم؛
2. الاعتذار عن جرائم قتل نشطاء الحراك السلمي، التي كان يشرف عليها ويديرها الدكتور رشاد العليمي حينما كان وزيراً للداخلية ثم رئيسا للجنة الأمنية، وتعويض أسر الشهداء والجرحى التعويض المناسب واللائق،
3. الاعتذار عن فتوى الاستباحة وقتل المواطنين الجنوبيين بحجة "درئ المفسدة الكبرى بمفسدةٍ صغرى" التي أصدرها وزير عدلكم أثناء حرب 1994م على الجنوب وما ترتب عليها من جرائم وانتهاكات أنتم تعلمونها كما يعلمها كل العالم المتابع للشأن اليمني، لكنكم استكبرتم وتعاليتم وظننتم أن الشعب الجنوبي مثقوب الذاكرة، وسينسى تلك الجرائم، وراح الكثير من الزملاء يسخر بثورة الحراك السلمي، بل وبالمقاومة الجنوبية المسلحة التي استطاعت وحدها أن تحرر الأرض وتفعل ما لم تفعله جيوشكم المليونية الجرارة التي سلمت سلاحها ومعسكراتها ومستودعات عتادها لشقيقها القادم من القرن الثالث الهجري إلى مشارف القرن الواحد والعشرين؟
وصدقوني أيها الزملاء إنكم لو حصلتم على موازنة الكونجرس الأمريكي لن تجدوا مكانا تعقدون فيه اجتماعاتكم ولا حاضنةً جماهيرية ترحب بكم وتوفر لكم الأمان والظروف المناسبة للتعبير عن مصالح المواطنين على افتراض أن لديكم ما تقدمونه لهؤلاء المواطنين من مصالح، لأنكم تبحثون عن أرض ليس فيها مواطنين، لهم مصالح فقدت وحقوق نهبت وأعراض انتُهِكت، وأبناء وأهالي طردوا من أعمالهم وشباب قتلوا على أيدي قوات شرعيتكم، ولن تجدوا مثل هذه الأرض، إلا خارج الجنوب، أما خلافكم مع رشاد العليمي فهو لا يعني الجنوبيين كثيراً لأنه يشبه اختلاف الشركاء في الجناية الواحدة وتنازعهم على تقاسم الغنيمة، مع كل الاعتذار للنواب الجنوبيين.
والله ولي الهداية التوفيق وهو نعم المولى ونعم النصير.