آخر تحديث :الجمعة-31 أكتوبر 2025-10:33م
أخبار وتقارير


الثأرات نارٌ تأكل أصحابها قبل خصومها

الثأرات نارٌ تأكل أصحابها قبل خصومها
الأربعاء - 29 أكتوبر 2025 - 07:36 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

لن تنتهي أعمال الاغتيالات، ولن تتوقف حوادث الخطف، ولن تُمحَ مشاهد الثأر والانتقام من حياتنا ما دامت أسواق السلاح مفتوحة؛ تبيع البنادق كأنها تبيع الحطب، وتعرض الرصاص كما تُعرض المكسرات، وتُروِّج القنابل كأنها فاكهة الأناناس!

فأي واقع هذا الذي تُعرض فيه أدوات الموت أمام الناس بكل بساطة، بينما تُغلق أبواب الأمل والأمان بإحكام؟


الحقيقة المرة أننا نعيش في زمن صار فيه صوت الرصاص أعلى من صوت الحكمة، وصار الحوار يحتاج إلى تصريح أمني بينما يكفي الغضب زنادًا. لو فتحنا ألف محكمة في كل زاوية وعيَّنا مئات القضاة والنيابات فلن يتغير شيء ما دام السلاح محمولًا على الأكتاف، يرافق الناس في الأفراح والأحزان، في الأسواق العامّة والحقول، حتى في المساجد.


المشكلة كبيرة وخطيرة، وتكمن في ثقافة المجتمع. حين يظن الناس أن الحق يُستعاد بالثأر تضيع الحقوق. وحين يصبح السلاح رمزًا للرجولة تضيع الإنسانية. وحين يتحول الخلاف إلى خصومة والخصومة إلى دم، نكون قد خسرنا كل شيء دون أن ننتصر لشيء. يا رب، يا رب، سلم، سلم.


يُقال إن أحد الحكماء سُئل: متى تنتهي الثارات بين الناس؟ فقال: «عندما ننسى أسماء الرصاصات ونحفظ أسماء بعضنا».

لكن يبدو أننا اليوم نحفظ أرقام الذخائر أكثر مما نحفظ أرقام هواتفنا وهواتف أهلينا.


وفي مرة أخرى، قيل لأحد شيوخ القبائل: ألا تخاف أن تضيع أموالكم في شراء السلاح؟ فأجاب مبتسمًا: «لا نخاف، لأننا سنرثها بعد أول ثأر». ضحكوا جميعًا… ثم اكتشفوا لاحقًا أن الثأر لم يُبقِ لهم لا مالًا ولا أبناء.


يا جماعة الخير، أقسم بالله العظيم، الذي رفع السماوات بلا عمد، أن الثارات لا تُطفئ نار الغضب، بل تُشعل نيرانًا أخرى. إنها كالكبريت تضيء لحظة انتقام، لكنها تحرق العمر كله بعدها. والفتن التي تنشأ منها أشبه بعاصفة رمليّة لا تترك شيئًا في مكانه: لا بيتًا آمنًا، ولا صديقًا صادقًا، ولا مجتمعًا مطمئنًا.


الحل يا سادة لا يبدأ من البندقية بل من العقل والحكمة. يبدأ حين نغلق أسواق السلاح قبل أن نغلق المقابر الجديدة، وحين نفتح مدارس التسامح قبل أن نفتح مراكز الأمن، وحين نزرع في عقول أبنائنا أن العفو شجاعة، وأن الدم ليس دليل قوة بل دليل فشل.

إنّ الحياة الحقيقية لا تبدأ حين نصلي على موتانا، بل حين نوقف أسباب موتهم. السلام لا يُبنى بالبكاء على القبور، بل بإغلاق مصانع الدم والأسلحة وفتح مدارس وحقولًا ومصانع للحياة.


أخيرًا...

إلى متى سنظل نقول: «هكذا وجدنا آباءنا»؟ إلى متى سنبكي ضحايانا ثم نجهّز ضحايا جدد؟ كفانا ثارات، كفانا فتنًا، كفانا عبثًا بالمصير. فلن نعيش بأمان ما دامت البنادق أعلى من القانون، ولن نعرف السلام حتى نعيد السلاح إلى مكانه الحقيقي في خزائن المعسكرات والمتاحف.


م/ عبدالقادر السميطي

دلتا أبين