تفتك بالزراعة في بلادنا: دودة الحشد، والذبابة البيضاء، وذبابة توتا أبسلوتا تهدد الأمن الغذائي
تعيش الزراعة اليمنية اليوم واحدة من أخطر مراحلها في التاريخ الحديث، إذ تتعرض لموجة اجتياح من آفات حشرية مدمّرة تسللت بصمت إلى الحقول، تهاجم النباتات ليلًا وتلتهم الأخضر واليابس دون أن تترك فرصة للإنقاذ.
في مقدمة هذه الكوارث الصامتة تأتي دودة الحشد الخريفية والذبابة البيضاء وذبابة الطماطم (توتا أبسلوتا)، ثلاثي الدمار الزراعي الذي يهدد الأمن الغذائي في اليمن.
---
دودة الحشد الخريفية: جيش ليلي يلتهم المحاصيل
دخلت دودة الحشد الخريفية إلى اليمن بشكل مفاجئ في منتصف عام 2018، ويُعتقد أن الرياح القوية المصاحبة لإعصار ساجالا ساعدت في نقلها من القرن الإفريقي إلى الأراضي اليمنية.
ومنذ ذلك الحين، انتشرت هذه الآفة بسرعة مذهلة في دلتا أبين ومناطق زراعة الذرة الشامية، وهو محصولها المفضل، لكنها لا تتوقف عند ذلك؛ فهي قادرة على مهاجمة أكثر من 80 نوعًا من النباتات تشمل الحبوب والخضروات وقصب السكر والقطن.
وتكمن خطورتها في قدرتها العالية على التكاثر، إذ يمكن للأنثى الواحدة أن تضع أكثر من 1000 بيضة في دورة حياة قصيرة، ومع ارتفاع درجات الحرارة تتسارع دورة نموها، مما يجعل مكافحتها أكثر صعوبة.
كما أن اليرقات تختبئ داخل الأوراق والقمم النامية للنبات، مما يصعّب على المبيدات الوصول إليها.
ولذلك فهي أشد فتكًا من الجراد الصحراوي لأنها تعمل بصمت وتدمّر بسرعة دون إنذار، حتى يكتشف المزارع الخطر بعد فوات الأوان.
---
الذبابة البيضاء: ناقل خفي للأمراض الفيروسية
أما الذبابة البيضاء فهي آفة أخرى لا تقل خطرًا، إذ تصيب أكثر من 200 نوع نباتي، وتمتص عصارة الأوراق مسبّبة ضعف نمو النبات، وتفرز مادة عسلية تؤدي إلى نمو الفطريات السوداء على السطح الورقي.
والأخطر من ذلك أنها تنقل فيروسات نباتية قاتلة مثل فيروس تجعد أوراق الطماطم والقطن، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية بنسبة قد تتجاوز 50% في بعض المحاصيل.
تتكاثر هذه الحشرة طوال العام في المناطق الدافئة والرطبة، وتتخذ من أشجار السيسبان مأوى آمنًا لها، مما يجعل الظروف المناخية في دلتا أبين مثالية لاستمرار نشاطها.
---
ذبابة توتا أبسلوتا: كابوس الطماطم
وتأتي ذبابة توتا أبسلوتا لتكمل المشهد الكارثي، وهي آفة صغيرة الحجم عظيمة الخطر، تهاجم نباتات الطماطم منذ المراحل الأولى للزراعة وحتى الحصاد.
تحفر اليرقات أنفاقًا داخل الأوراق والسيقان والثمار، مما يؤدي إلى تلف المحصول بنسبة قد تصل إلى 90% إذا لم تُتخذ إجراءات مكافحة مبكرة.
كما طوّرت هذه الآفة مقاومة عالية للعديد من المبيدات الكيميائية، ما يجعل الإدارة المتكاملة للآفات الخيار الوحيد الفعّال للحد من انتشارها، عبر الجمع بين المكافحة الحيوية والمصائد الفرمونية والرشّ المدروس.
ولمن لا يصدق أن هذه الحشرة تسبب خسائر كبيرة جدًا لمزارعي الطماطم، أقول له: انزل إلى سوق الخضار وشاهد ثمار الطماطم، ستلاحظ علامات الإصابة على كل ثمرة طماطم.
---
نداء عاجل: الزراعة في خطر!
إن استمرار انتشار هذه الآفات الثلاث دون تدخل عاجل يعني أن الزراعة اليمنية تتجه نحو انهيار ممنهج.
لذا لا بد من إعلان حالة الطوارئ الزراعية، ووضع برنامج وطني للمراقبة والمكافحة، وتفعيل دور البحوث والإرشاد الزراعي في التوعية والتدريب، ودعم جهاز وقاية المزروعات في المحافظات بالمبيدات ومعدات الرش، لكي يتسنى له القيام بواجباته على أكمل وجه.
كما يجب دعم المزارعين بالمبيدات الفعالة والبدائل الحيوية، وتوحيد الجهود بين الدولة والمنظمات الزراعية والباحثين والمزارعين، قبل أن نقرأ الفاتحة على ما تبقّى من الزراعة في بلادنا.
دمتم بألف خير.
اللهم إني بلّغت، اللهم فاشهد.
عبدالقادر السميطي
دلتا أبين