لم يكن حالنا مع جارتنا اليمنية كحال ألمانيا الشرقية مع شقيقتها الغربية. فالكوريتان كانتا كوريا واحدة، ومثلهما كانت الألمانيتان الغربية والشرقية بلداً واحداً تم تقسيمه من قبل الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث تم تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق احتلال هي:
1- المنطقة الأمريكية تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية.
2- المنطقة البريطانية.
3- المنطقة السوفييتية.
4- المنطقة الفرنسية.
وفي عام 1949م تم دمج المناطق الأمريكية والبريطانية والفرنسية لتشكيل جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية)، أما المنطقة التي سيطر عليها السوفييت فصارت جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية).
واستعادت ألمانيا وحدتها بعد خمسة وأربعين عاماً من تقسيمها إلى أربع مناطق، وبعد 41 عاماً من تشكيل الجمهورييتين الألمانيتين الغربية والشرقية، وذلك في أكتوبر عام 1990م.
ولقيت كوريا، وهي وطن واحد، نفس مصير ألمانيا بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، حيث قامت الحلفاء بقيادة أمريكا والاتحاد السوفييتي بتقسيم كوريا إلى منطقتي احتلال، إحداهما تحت سيطرة السوفييت وهي القسم الشمالي من كوريا، والأخرى تحت سيطرة الأمريكيين وهي القسم الجنوبي.
وفي عام 1948 تم إنشاء دولتين منفصلتين في كوريا:
جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية،
وجمهورية كوريا الجنوبية.
وفي 25 يونيو عام 1950 شنت كوريا الشمالية الحرب على كوريا الجنوبية لإعادة وحدة كوريا، لكنها فشلت بسبب التدخل الأمريكي إلى جانب كوريا الجنوبية. وثمة رفض رسمي وشعبي واسع في كوريا الجنوبية للوحدة الكورية. كما أن الوحدة الألمانية لم تكن مثالية، على الرغم من حفظ حقوق الألمان الشرقيين والديمقراطية التي تساوي بين المواطنين الألمان وغيرهم.
نحن في الجنوب العربي لم يكن حالنا مع جارتنا اليمنية كحال الألمانيتين والكوريتين مع بعضهما.
فلم نكن جزءاً من اليمن الشمالي عام 1945، ولا جزءاً منه عام 1839م عندما احتلت بريطانيا عدن. بل كانت دويلاتنا الجنوبية موجودة قبل القرن التاسع عشر بقرون، تدافع عن استقلال بلادها، ولم تمكن جارها اليمني من احتلالها.
حتى إذا ظهرت قوى مشبوهة في الجنوب معادية لاستقلاله في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، زعمت أنه جزء من اليمن، شأنه شأن كوريا وألمانيا. لذا أطلقوا أولاً على الجنوب اسم "جمهورية اليمن الجنوبية"، ثم استبدلوه بـ"الجنوبية الديمقراطية"، على غرار تسمية كوريا الشمالية (جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية) ذات التوجه الاشتراكي، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية.
وهذا قياس خاطئ، ذلك لأن الجنوب كان وطناً قائماً بذاته حقيقة، لم تنقضه ما يسمى بالوحدة اليمنية، بل أكدت عليه وأبرزته كما يبرز النقيض نقيضه.
فمتى يقتنع العالم بعدالة القضية الجنوبية؟ ومتى يقتنع العالم، ولا سيما القوى الكبرى، بأن الجنوب العربي إنما كان ضحية مؤامرة أجنبية لبريطانيا ولجاره اليمني، يدان فيها؟