آخر تحديث :السبت-01 نوفمبر 2025-01:42ص
وثائقيات


قرية خُلالة قلب رخمة النابض

قرية خُلالة قلب رخمة النابض
الخميس - 23 أكتوبر 2025 - 07:57 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

كتب /زيد علي صالح :

في قلب وادي رخمة، وبين أحضان مكتب كلد، تتربع قرية خُلالة التي ما زال عبق التاريخ يفوح من ترابها، ورائحة الكرم تنبعث من بيوتها العامرة وأهلها الطيبين.

تقع خُلالة في موقع مميز يتوسط منطقة رخمة، فهي كالعقد الفريد في صدر الوادي، تتخللها الأودية من كل جانب. وقد جاء اسمها من موقعها الفريد، فهي “لكمة” تطل من علٍ على وادي الضباب من الجهة الغربية والجنوبية، وعلى وادي مقبل من الجهة القبلية، بينما يحدها من الشرق وادي أسفل رخمة، حيث تلتقي هناك روافد الحياة: وادي الضباب ووادي مقبل ووادي ضُبئة وأشعاب عامر، في نقطة مشهورة يسميها الأهالي “النقطة”؛ ملتقى الوديان ومصدر الخصب والخير.


كانت خُلالة في الماضي سوق ، ففيها الدكاكين القديمة المتواضعة التي كانت تبيع للناس ما يحتاجونه من مؤن وأدوات، كما وُجدت فيها معاصر السمسم (الجلجل) التي كانت تزود الناس بما يحتاجونة من زيت السمسم ( الصليط). وهي محاطة بأجود الأراضي الزراعية التي عُرفت بخصوبتها وغزارة إنتاجها، حتى قال فيها أحد الشعراء الشعبيين:


“قال بداع....زرنا كل وادي ون خير الجرب وادي خُلالة،

وذرّوها ذرة ولا جعيدي وتجيكم رجاجيل البتالة.”

عرفت خُلالة على مر السنين بالكرم والنجدة، فكانت مكرمةً للضيف، مؤويةً لعابر السبيل، مطعمةً للجائع، ومستقبلةً للملهوف.

وعندما اشتد القصف البريطاني على أبطال ردفان إبّان ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، لجأ إليها كثير من أبناء ردفان مع أسرهم ومواشيهم، ففتح لهم أهل خُلالة بيوتهم وقلوبهم، وتقاسموا معهم الزاد والعلف والماء، فعاشوا بينهم إخوةً في السراء والضراء، حتى صارت القرية مثالًا يُروى في الكرم والإيثار.

ولم تكن خُلالة مقصد أهل ردفان وحدهم، بل كان يقصدها الناس من “الأرض العليا” كما كانوا يسمونها قديمًا، وهي ما تُعرف اليوم بـالبعوس والحد، كما كان يأتيها الناس من العرقة وذي ناخب ومناطق سباح، ينزلون فيها مع مواشيهم طلبًا للرزق، خاصةً في موسم صراب الثمر حين يفيض الخير، فيمكث بعضهم سنوات في كنف أهلها الطيبين. كما كان يقصدها الكثير من أهالي مناطق رخمة وكلد عامة.

لقد كانت خُلالة –ولا تزال– بيت الكرم والضيافة، ومأوى المحتاج، ومأمن الخائف، ومشبع الجائع.

تاريخها شاهد، ومجدها باقٍ في قلوب أبنائها، وموقعها الفريد يروي قصة قريةٍ جمعت بين جمال الطبيعة وطيب السجايا وكرم الإنسان.

ورغم ما مرّ على القرية من فتن وأزمات ومساريح كانت تقع أحيانًا على الأراضي الزراعية، فيُخرب بعضها أو يُعبث بثمرها، إلا أن الله كان يُجازي أهلها على نياتهم الصافية، فيعوضهم بكرمه، ويكرمهم بالأمطار والخير الوفير. فقد كانت النية الطيبة والقلوب الصافية هي سر بركة خُلالة وأهلها في كل زمان.


رسالة إلى الجيل الجديد :

أيها الجيل الجديد الذي لم يعاصر تلك الفترة، ولم يسمع بما سطّره أجدادنا من تاريخٍ ومواقفٍ مشرفة زادت من هيبتنا ورفعت سمعتنا الطيبة بين القبائل:

إن تلك السمعة الطيبة كنزٌ لا يُقدّر بثمن، فحافظوا عليها كما يحافظ المرء على جوهرة ثمينة. وواصلوا السير على النهج الذي أسّسه أجدادكم وسطره آباؤكم في صفحات المجد والكرم والرجولة.

لقد عاشوا زمن الجوع والخوف والفاقة والفتن، ورغم ذلك لم تثنِهم الظروف عن الكرم والمروءة والضيافة.

أما نحن اليوم فنعيش في خيرٍ وأمنٍ وأمان، فواجب علينا أن نكون مثلهم إن لم نتفوق عليهم في الجود والمواقف والوفاء.