لقد مثلت صحيفة الأيام الغرّاء، ممثلة برئيس تحريرها الأستاذ هشام باشراحيل، نموذجًا في مواكبة ونشر فعاليات الثورة الجنوبية وكفاح قوى حراكها منذ انطلاقتها، فقد كانت فنارًا أضاء طريق الكفاح وألهمت حماس كل أبناء الجنوب. وبسبب موقفها الوطني الجنوبي، دفعت ثمناً باهظًا، حيث هاجمت قوات الاحتلال دار نشرها وسكن رئيس تحريرها واعتقلت رفيقه ومرافقه، إضافة إلى إغلاق المقر وما ترتب عليه من خسائر مالية. سيظل موقفها هذا محفورًا في ذاكرة أحرار الجنوب بأحرف من ذهب.
وفي السياق: من ساحة العروض بخورمكسر، وعلى قاعدة التصالح والتسامح الجنوبي وطي صفحة الماضي والتوجّه صوب المستقبل، انطلقت ثورة شعب الجنوب السلمية التحررية يوم 7/7/2007م، والتي هزّت عرش الطغاة المحتلين برفضها لقوى الفيد والنهب والسلب، وقوى حرب 1994م الاحتلالية الغاشمة التي دمرت الدولة الجنوبية وجيشها وأمنها ومؤسساتها. وتمسّكت الثورة الجنوبية بالحرية والاستقلال واستعادة الدولة.
وبنضالات شعب الجنوب وتضحياته، طردت مقاومته الشبابية المسلحة قوات حرب 2015م ومعها بقايا قوات حرب 1994م. تلا ذلك المليونية الجنوبية التي احتضنتها ساحة العروض عام 2017م، وفوّضت المناضل عيدروس الزبيدي لحمل قضية شعب الجنوب وقيادته لاستعادة دولته، وتاليًا إعلان المجلس الانتقالي كإطار مؤسسي لتحقيق ذلك برئاسة عيدروس الزبيدي.
وفي احتفالات الذكرى 58 للاستقلال هذا العام، احتضنت ساحة العروض بخور مكسر عرضًا عسكريًا مهيبًا لوحدات رمزية من صنوف كل القوات العسكرية والأمنية، مثّل وبحق جيشًا وأمن دولة بكل المقاييس، حيث حمل العرض رمزية وطنية جنوبية. وهذه الساحة، التي كانت موئلًا لثورة شعب الجنوب وقوى حراكه السلمي الرافضة للاحتلال والمتمسكة بالتحرير والاستقلال، شهدت استعادة الجيش والأمن الجنوبي كعنوان للحرية والسيادة واستعادة الدولة، رغم محاولات قوات الاحتلال قمعها بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع.
وفي عملية عسكرية مدروسة ومقتدرة، أذهلت الصديق قبل العدو، تمكنت نخب شعب الجنوب العسكرية المحلية ووحدات من جيشه من تحرير وادي وصحراء حضرموت والانتشار فيها، وتطهيرها من المنطقة العسكرية وكل قوى الإرهاب والتهريب التي ظلّت المنطقة حاضنة لها ومنطلقًا لنشاطاتها الإرهابية لعقود مضت (1994–2025م). كما سيطرت القوات الجنوبية على الغيضة/المهرة ومرافقها ومينائها ومطارها، ورفعت علم الجنوب عاليًا في سماء آخر منفذ جنوبي على حدود سلطنة عمان.
وبذلك اكتمل تحرير أرض الجنوب الأبيض بكل مناطقه ومديرياته ومحافظاته، وتبقى مكيراس مسألة وقت.
تتويجًا لكل تلك النضالات والتضحيات والانتصارات، أعلن أبناء شعب الجنوب من ساحة العروض بخور مكسر/عدن، عاصمة دولة الجنوب، وبقية عواصم محافظات الجنوب، الاعتصام المفتوح حتى إعلان الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية، ولفتوا انتباه المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي إلى أن وحدة شعب الجنوب بكل أبنائه وأطيافه تتجسّد مرة أخرى في هذه الاعتصامات، الجمعية والمشاركة الواسعة في أماكن إقامتها، ووحدة مطلبها.
إن دولة شعب الجنوب بقيادة المجلس الانتقالي موجودة على الأرض على امتداد الجغرافيا الجنوبية من حوف المهرة إلى باب المندب، ولم يبقَ سوى إعلانها وبناء وتفعيل مؤسساتها السيادية والاقتصادية والخدمية والتنموية، والإيفاء بدفع المرتبات وتوفير الخدمات، وفي مقدمتها الماء والكهرباء والصحة والتعليم وعقلنة وثبات الأسعار. هذه الدولة، بقدر ما هي ضرورة وطنية وسيادية ومجتمعية جنوبية، بقدر ما هي أيضًا ضرورة إقليمية ودولية لأمن واستقرار المنطقة، وتأمين خطوط الملاحة التجارية الدولية والشحن البحري في مياه البحر العربي وباب المندب، ومكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات والقرصنة البحرية.
شعب الجنوب ودولته وجيشه وأمنه ومجلسه الانتقالي سيكونون شريكًا فاعلًا وموثوقًا في كل ذلك، كما كان عام 2015م شريكًا في التصدي لتمدد المشروع الإيراني في المنطقة، وسيستمر كذلك اليوم وغدًا، ما يستوجب من المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي التفهم له ومساعدة شعب الجنوب في تحقيق تطلعاته ودعمه في إعلان استقلاله واستعادة دولته الموحدة كاملة الحرية والسيادة والاستقلال على حدود ما قبل 22 مايو 1990م.