نقف اليوم على أعتاب منعطف تاريخي حاسم، لم يعد فيه الجنوب مجرد "قضية مظلومية" تُطرح على طاولات الحوار الثانوي، بل تحول — بفضل الله ثم بفضل تضحيات شعبنا وصلابة قواتنا المسلحة — إلى رقم صعب في معادلة الأمن القومي الإقليمي والدولي. وإن قراءة المشهد الراهن بعين "الأكاديمي" وروح "المناضل" تضعنا أمام حقائق جيوسياسية لا يمكن القفز عليها، وتفرض على العالم بأسره إعادة ضبط بوصلته تجاه الجنوب. وهنا نوضح عدة رسائل، وهي كالتالي:
أولاً: انتهاء الوحدة.. وحقيقة الميدان
لقد أثبتت الوقائع العسكرية والسياسية — من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا — أن مشروع "اليمن الواحد" قد انتهى إكلينيكيًا، ليس برغبة الجنوبيين فحسب، بل بفعل سنن التاريخ والفشل الذريع لمنظومة صنعاء التي صدّرت لنا الإرهاب والفوضى.
اليوم تسيطر القوات المسلحة الجنوبية على الأرض وتدحر الإرهاب في محافظات الجنوب، مقدمةً للعالم النموذج الوحيد الناجح في المنطقة لمحاربة الجماعات المتطرفة. فهذا الواقع الميداني هو الشرعية الحقيقية التي تسبق الشرعية القانونية، وهو الرسالة الأولى للدول العظمى بأن الجنوب المستقل هو الضامن الوحيد لأمن الملاحة الدولية ومكافحة الإرهاب، وأن أي رهان على "وحدة قسرية" هو رهان على الفوضى المستدامة.
ثانيًا: المجتمع الدولي
نخاطب مجلس الأمن والولايات المتحدة ورعاة الإقليم والدول الشقيقة بلغة المصالح المشتركة لا لغة العواطف؛ فاستقرار مضيق باب المندب وخليج عدن لا يمكن أن يتحقق في ظل دولة هشة أو ميليشيات عابرة للحدود. وإن استعادة دولة الجنوب الفيدرالية ليست تهديدًا لأمن المنطقة، بل هي حجر الزاوية لتأمين خاصرة الجزيرة العربية.
إن الدولة الجنوبية القادمة ستكون دولة مدنية، شريكةً للعالم، تحترم المواثيق وتنبذ التطرف. ولقد آن الأوان لمغادرة "المنطقة الرمادية" والاعتراف بحق هذا الشعب في تقرير مصيره، فاستمرار تجاهل إرادة الملايين لن يولّد إلا براكين غضب لا يمكن احتواؤها.
ثالثًا: للأعداء والمتربصين
إلى تلك القوى في الداخل والخارج التي ما زالت تعبث بورقة الخدمات وتعمل على تفتيت النسيج الاجتماعي الجنوبي أو تراهن على شق الصف: لقد تجاوز الجنوب مرحلة "رد الفعل" إلى مرحلة "صناعة الفعل"، وإن ألاعيبكم السياسية ومحاولاتكم البائسة لتدوير النفايات السياسية في حضرموت أو المهرة أو غيرهما مكشوفة.
إن قواتنا المسلحة التي قهرت الحوثي وكسرت شوكة القاعدة تمتلك اليوم من الجاهزية والوعي ما يجعل أي مغامرة عسكرية ضد الجنوب عملية انتحارية مؤكدة. والأفضل أن توفروا جهودكم، فالقِطار قد غادر المحطة، وقادتنا السياسيون قد انتقلوا من "إدارة الأزمة" إلى "إدارة الدولة". فالحق يُؤخذ ولا يُوهب، والسياسة لا تعترف إلا بالأقوياء.
رابعًا: إلى الشعب الجنوبي العظيم
يا أبناء الجنوب، من ميادين النضال السلمي إلى خنادق القتال، إن المعركة النفسية التي يراهن عليها العدو لكسرنا قد تحطمت تمامًا. والدليل الساطع كان حين عاد الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي ليقف شامخًا في ساحة العروض بخورمكسر؛ فهذه لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت عودة للجذور وتجديدًا للعهد في "محراب الثورة" الذي انطلقت منه شرارة المليونيات.
وهي رسالة سياسية ونفسية بالغة الدقة للداخل والخارج مفادها أن الشرعية الحقيقية تُستمد من غبار الميادين ونبض الشارع، لا من غرف الاجتماعات المغلقة أو الفنادق السياحية. وإن وقوف الرئيس القائد في "ساحة العروض" هو إعلان بأن البوصلة لم ولن تنحرف، وأن القائد الذي لا ينسى الساحات التي حملته لن يخذل الشعب الذي فوضه.