آخر تحديث :الثلاثاء-16 ديسمبر 2025-07:26م
أخبار وتقارير


دلتا أبين… شامة على خد الزمن

دلتا أبين… شامة على خد الزمن
الثلاثاء - 16 ديسمبر 2025 - 11:28 ص بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

م/ عبدالقادر خضر السميطي

دلتا أبين

ليست دلتا أبين مجرد رقعة جغرافية زراعية، بل هي شاهد حي على عبقرية الأرض، وذاكرة زراعية ضاربة في عمق التاريخ، وشامة تُزيّن خد الزمن الأبيني كلما حاول الإهمال أن يُخفي جمالها، فأبت إلا أن تُعلن قدرتها على الصمود والعطاء.


أرض تُنبت رغم قلة العناية وإجهاد التربة


تُعد دلتا أبين واحدة من أخصب الأراضي الزراعية في الجنوب، بل ومن أندر النماذج الزراعية التي ما زالت تُثبت قدرتها على الإنتاج في ظروف صعبة، وعلى رأسها ضعف المدخلات الزراعية، لا سيما المادة العضوية والأسمدة بمختلف أنواعها.

وخلال جولاتي الميدانية المتعددة في معظم مناطق دلتا أبين، وقفت على واقع يثير الدهشة والتأمل؛ أراضٍ تُزرع، وتنبت، وتنمو، وتُزهر، وتُثمر دون أن تُضاف لها أي أسمدة أو مغذّيات تقريبًا. مشهد قد يبدو إيجابيًا في ظاهره، لكنه يحمل في طياته تساؤلات عميقة حول مستقبل هذه التربة إذا استمر هذا النهج.

إن أرضًا تُنتج محصولًا مقبولًا في ظل فقر واضح في المادة العضوية وغياب شبه تام للتسميد، هي نعمة عظيمة وبركة من الله، بل يمكن وصفها بمعجزة زراعية إذا ما قورنت بمتطلبات الإنتاج في كثير من المناطق الأخرى.

لكن الخطورة تكمن في أن تتحول هذه النعمة إلى مبرر للإهمال، أو ذريعة للركون إلى الأساليب التقليدية دون تطوير.


الإنتاج يمكن أن يتضاعف… إذا تم تطبيق التوصيات البحثية


اللافت أن هذه الحقول نفسها، التي تُعطي إنتاجًا لا بأس به في ظل الإمكانات المحدودة، يمكن أن يتضاعف إنتاجها إلى ثلاثة أضعاف أو أكثر إذا ما التزم المزارع بالتوصيات الزراعية السليمة، وفي مقدمتها:


الإضافة المنتظمة للأسمدة العضوية لتحسين خصوبة التربة وبنيتها.


الاستخدام المدروس للأسمدة الكيماوية وفق احتياجات المحصول والتربة.


تحسين إدارة الري، وضبط مواعيد الزراعة، وتطبيق المكافحة المتكاملة للآفات.



فالاعتماد الكامل على عطاء الأرض دون رد الجميل لها هو استنزاف صامت لخصوبتها. الأرض التي تُعطي اليوم بلا مقابل قد تُرهق غدًا إن لم تُحسن معاملتها، والزراعة الناجحة لا تُقاس فقط بكمية الحصاد، بل بقدرتها على الاستدامة.


من خصوبة الأرض إلى صحة القطيع


وكما أن التربة هي أساس الزراعة، فإن المراعي الطبيعية هي أساس الثروة الحيوانية. فالمنظومة الزراعية في دلتا أبين لم تكن يومًا منفصلة؛ الأرض، والنبات، والحيوان، والإنسان، كلها حلقات في سلسلة واحدة.


تربية المواشي ونحل العسل ركيزة الأمن الغذائي


تُعد تربية الحيوانات – من أغنام وأبقار ودواجن، إضافة إلى نحل العسل – ركيزة أساسية من ركائز القطاع الزراعي، ومصدرًا مهمًا للحوم والألبان والبيض والعسل، فضلًا عن دورها في دعم الاقتصاد الريفي واستقرار معيشة آلاف الأسر.


المراعي الطبيعية سر الجودة


تتميّز دلتا أبين ومحيطها بمساحات من المراعي الطبيعية الغنية بالأعشاب والنباتات البرية، وهي تمثل أفضل مصدر لتغذية المواشي بصورة متوازنة وطبيعية.


الحيوان الذي يعتمد على الرعي الطبيعي يُنتج:


لحومًا ذات طعم مميز


لونًا طبيعيًا


رائحة مستساغة



وهي صفات يلاحظها المستهلك ويُقدّرها، وتشكل جوهر الثقة بالمنتج المحلي.


حين يتغير النمط الغذائي تتغير الجودة


مع توسّع المدن وتغيّر أنماط الحياة، اتجه بعض المربين إلى الاعتماد المفرط على الأعلاف المصنعة، أو إلى تربية الحيوانات في بيئات غير مناسبة، ما انعكس سلبًا على جودة اللحوم من حيث الطعم واللون والرائحة، مقارنة باللحوم الناتجة عن الرعي الطبيعي المنظم.


الأعلاف المصنعة… استخدام لا إسراف


لا يمكن إنكار أهمية الأعلاف المصنعة في سد فجوات موسمية أو حالات خاصة، لكن الإفراط في استخدامها دون إرشاد فني، أو الاعتماد الكامل عليها، قد يُفقد المنتج الحيواني كثيرًا من قيمته الغذائية والحسية.

والحل ليس في المنع، بل في التوازن:


رعي طبيعي منظم متى ما توفرت المراعي.


أعلاف مكملة تُستخدم بوعي وحسب الحاجة.


توعية المربين بأسس التغذية السليمة.



دلتا أبين منظومة حياة متكاملة


دلتا أبين ليست مجرد أرض تُزرع، ولا مراعي تُرعى فحسب، بل هي منظومة حياة متكاملة. تربة خصبة، ومحاصيل واعدة، ومواشٍ ذات جودة عالية، كلها عناصر يمكن أن تشكل قاعدة صلبة للأمن الغذائي إذا ما أُحسن التعامل معها.


رسالة أخيرة


إلى مزارع دلتا أبين، وإلى مربّي المواشي فيها:

إذا كانت أرضك تُعطيك دون تسميد، وإذا كانت مراعيك تُطعم قطيعك دون عناء، فاعلم أن ذلك أمانة.

أكرم الأرض بالمادة العضوية، وأكرم الحيوان بالرعي السليم، وستُكافئك دلتا أبين أضعافًا مضاعفة…

فهي شامة على خد الزمن، لا تزداد إلا جمالًا حين تُصان.