/ عبدالقادر السميطي – دلتا أبين
منذ أكثر من أربعة أشهر، يعيش آلاف الموظفين في مختلف مؤسسات الدولة أوضاعًا معيشيةً قاسيةً نتيجة تأخّر صرف الرواتب، في وقتٍ تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية وتشتعل الأسعار، لتتحول الحياة اليومية إلى عبءٍ يفوق قدرة المواطن العادي على الاحتمال.
لقد تحوّل الراتب، وهو حقٌّ أساسي تكفله الدساتير والقوانين، إلى حلمٍ مؤجّل ينتظره الموظفون على أمل أن تتحرك ضمائر المسؤولين. ومع مرور كل يومٍ جديد، تتسع دوائر المعاناة، وتتضاعف الاحتياجات، بينما الحكومة ما تزال صامتة وكأن الأمر لا يعنيها.
إن المثل العربي القديم القائل: «الذي أمه خبّازة لا يجوع»، يفقد معناه اليوم في ظل واقعٍ أصبحت فيه الحكومة غنيةً والموظف فقيرًا؛ فالشعب يموت من الجوع، والحكومة تموت من التخمة.
إنها مفارقةٌ موجعة تختصر حجم الفجوة بين السلطة والمواطن، وتكشف ضعف منظومة الإدارة والرقابة المالية في البلاد.
الراتب ليس صدقةً من أحد، بل هو حقٌّ مشروع مقابل أداءٍ وظيفي وواجبٍ وطني. ومن غير المقبول أن يُترك الموظف بلا مصدر دخل طيلة هذه المدة، في وقتٍ تتحدث فيه الجهات الرسمية عن التنمية والإصلاح الاقتصادي.
إن استمرار هذا الوضع يهدد الاستقرار الاجتماعي، ويؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي، ويزيد من معدلات الفقر، وقد يدفع بالكثيرين إلى الهجرة أو ترك العمل الحكومي بحثًا عن أي مصدرٍ للعيش الكريم.
لذلك، فإن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة الشرعية في المقام الأول، بضرورة الإسراع في صرف الرواتب المتأخرة، ووضع آليةٍ شفافة ومنتظمة تضمن استدامة الصرف شهريًا دون تأخير، مع مراجعة منظومة الإيرادات والنفقات بما يحقق العدالة ويحافظ على كرامة الموظف.
فالموظف ليس رقمًا في كشوفات الرواتب، بل هو عمود الدولة وسندها، ومن واجب الحكومة أن تحميه وتضمن له أبسط حقوقه، قبل أن يفقد الوطن ما تبقّى من إيمانه بالعدالة والإنصاف.