في زمنٍ تتسارع فيه الأزمات، وتتراجع فيه مؤسسات الدولة،
يعود السؤال الأهم ليطرح نفسه من جديد:
من سيزرع الأرض إن تركها أصحابها؟
خذ نفسًا عميقًا وتأمل معي هذا المشهد المخيف والمحزن:
تستيقظ صباحًا على صوت أم العيال وهي تقول:
> "لقد نفد الطحين، ولم يعد في بيتنا ما نخبزه اليوم."
تتجمّد للحظة... تتساءل: إلى أين؟ ماذا أفعل؟
الجيب فارغ، والراتب متوقّف منذ أربعة أشهر،
والأسعار نارٌ حامية، وصفحة البيع بالأجل مغلقة،
والبلاد مثقلةٌ بـكوكتيلٍ من الأزمات.
عندها فقط، يتداعى إلى ذهنك وجه تلك القطعة الصغيرة من الأرض
التي ورثتها عن أبيك، والتي تركتها تذبل،
وغزتها أشجار السيسبان حتى ضاعت ملامحها،
وضاع معها رزقك ورزق أولادك، ولم تعد صالحة للزراعة.
ستندم، وستبكي من عينٍ دمعةً، ومن عينٍ دمًا...
ولكن بعد ماذا؟
فالندم لا يزرع قمحًا،
ولا يعيد حياةَ أرضٍ أهملناها،
ولا يخبز خبزًا في بيتٍ خالٍ من الطحين.
أيها المزارع الحبيب،
في زمنٍ غابت فيه الدولة، وقلّت فيه الأمانة، وضاع فيه الدعم، وانتشر فيه الفساد،
نصيحتي لك: لا تنتظر أحدًا يتصدّق عليك بمساعدة.
فالأرض أرضك، والفأس في يدك، والرزق أمامك.
احمل فأسك بيد، و"الشريم" باليد الأخرى،
وابدأ من جديد كما كان يفعل أجدادك وآباؤك.
احرث أرضك، وازرع الأمل،
وتذكّر أن من عاش من عرق الأرض لا يعرف الفقر،
ومن خان أرضه مات مرتين:
مرة حين جفّ زرعه، ومرة حين جفّ ضميره.
نحن شعبٌ كتب الله عليه المشقة،
لكن ما ميّزنا عن غيرنا أننا لا نسقط مهما اشتدت الضغوط،
بل نقف شامخين كالنخل في وجه الرياح.
---
تذكّر يا مزارعنا العزيز...
منذ عام 2010 إلى 2024
زرعنا القمح، فقالوا: "أراضيكم لا تصلح للقمح، ازرعوا البصل!"
كذبوا في قولهم، فزرعنا القمح، وحصدنا نجاحًا فاق التوقعات.
وقالوا: "زراعة الحبوب لا جدوى منها اقتصاديًا في أبين!"
فزرعناها، وأثبتت أرضنا أن البركة لا تأتي من كلامهم،
بل من سواعدنا وإيماننا بالله.
---
اليوم نحن أمام تحدٍ جديد،
علينا أن نزرع كل شبرٍ صالحٍ للزراعة بالحبوب:
القمح، والذرة الشامية، والرفيعة، والدخن،
وأن نعيد الاعتبار لأرضنا وكرامتنا،
لا أن ننتظر قمحًا مستوردًا يأتي محمّلًا بالمذلّة والمهانة.
اتركوا قمحهم لهم،
فسيأتي يومٌ نصبح فيه نحن من يُطعِم، لا من ينتظر الطعام.
---
رسالتي إلى جهات الاختصاص:
ادعموا مزارعي أبين ولحج ببذور القمح المحسّنة،
أسوةً ببقية المناطق التي تم دعمها،
حتى تتمكّن أبين ولحج من الإسهام في تحقيق الأمن الغذائي.
أبين لن تسقط... ولا يمكن أن تسقط،
ما دام فينا قلبٌ ينبض بحبها،
وما دامت فينا روحٌ ترفض الاستسلام.
أبين ستنهض رغم الجراح، بإذن الله تعالى.
/عبدالقادر السميطي
دلتا أبين