آخر تحديث :الأحد-14 ديسمبر 2025-08:44م
ثقافة وفن


سيرة مختصرة عن الفنان الكبير محمد جمعه خان رحمه الله

سيرة مختصرة عن الفنان الكبير  محمد جمعه خان رحمه الله
السبت - 02 نوفمبر 2024 - 11:58 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/ ثقافة وفن

ولد «محمد جمعة عبدالرزاق خان» في سنة 1903 في قرية «قرن ماجد» بوادي دوعن بمحافظة حضرموت لأب هندي من البنجاب وأم حضرمية تدعى «فاطمة يسلم بهيان» إذ كان والده من المحاربين الذين استقدمهم السلطان عوض بن عمر القعيطي سلطان الدولة القعيطية الحضرمية كي ينضموا إلى جيشه لتثبيت أركان حكمه

ونشأ وسط بيئة شغوفة بالطرب والغناء، فكان والده مهتماً بالغناء ويملك مكتبة من الأسطوانات الهندية والعربية، وأخوه الأكبر أحمد كان صاحب صوت رخيم وملحناً وعازفاً على آلة «هارمونيكا»، وأخوه الآخر عبدالله كان بارعاً في الضرب على الرق، بينما أخوه الثالث عبدالقادر كان مجيداً للعزف على مختلف الآلات النحاسية، وكان أخوه الأصغر سعيد عازفاً ماهراً على «كلارنيت». وهكذا كان لنشأته الأولى وسط تلك البيئة الموسيقية دور في تعلقه بالغناء منذ صغره، بدليل أنه حينما التحق بالتعليم الابتدائي، من بعد دراسته في كتاتيب المكلا، كان بارعاً ومتفوقاً على أقرانه في حفظ وتلحين الأناشيد المدرسية

في سنة 1918 التحق بالفرقة الموسيقية للسطان القعيطي عازفاً بمرتب ثلاثة ريالات شهرياً، فتعلم العزف على العديد من الآلات الموسيقية تحت إشراف قائد الفرقة الضابط الهندي عبداللطيف، وتعرف إلى معزوفات الفرقة من الأغاني الغربية والهندية، وتخصص في العزف على آلة «السمسية» الوترية، قبل أن ينتقل للعزف على آلة «كلارنيت». في أثناء ذلك، عشق خان العزف على العود وأجاده وتفوق فيه على يد مواطنه المطرب «سعيد العبد»، فصار العود مذاك رفيقه ونديمه، كما تعرف إلى الألحان العربية الحضرمية عن طريق المطرب الشعبي «سعدالله فرج».

في العقد الثاني من عمره، حدث أن توفي قائد الفرقة الموسيقية، فاختير بديلاً عنه، وقام بإدخال الموسيقى العربية إلى الفرقة السلطانية أول مرة، وظل كذلك إلى أن أحيل في سنة 1947 إلى التقاعد بطلب منه، بعد 29 سنة من خدمة الفرقة السلطانية، كي يتفرغ لفنه ويحترف الغناء مع فرقة موسيقية خاصة به أسسها آنذاك، وأدخل فيها آلات موسيقية لم تكن ذات حضور آنذاك في حضرموت مثل الكمان والرق والإيقاع. ومع تحرره من قيود الوظيفة وامتلاكه فرقة خاصة به ازدادت اهتماماته بألوان الغناء الحضرمي، ولا سيما الموشحة الحضرمية، لما فيها من سحر وجمال فأخذ يقتبس من تلك الألوان الغنائية ويصبها في قوالب جديدة راقصة بتوقيعه، جعلت الناس تنكب عليها وتتذوقها بديلاً عن الألحان العربية والهندية الوافدة.

من جهة أخرى، شدّت الأناشيد الدينية انتباهه بعدما لاحظ وجود تنافس شديد بين فرقها في المكلا والشحر وغيرهما، فقرر أن يخوض مجالها كي يستفيد منها مادياً وفنياً ولهذا راح يتتبع أخبارها وألحانها ومجالسها، بل اتصل بأحد كبار منشدي حضرموت الدينيين وهو الشيخ عبدالله صالح باعشن وأخذ منه العديد من الأناشيد الدينية التي حورها وطورها وأدخل فيها الآلات الموسيقية كالعود.

وهكذا تمكن خان من تثبيت قدميه على امتداد التراب الحضرمي مطرباً لا منافس له في الصوت والتلحين والأداء، بل امتدت شهرته إلى حضارم المهجر الذين راحوا يدعونه للسفر إليهم في مهاجرهم للغناء وإحياء حفلاتهم الخاصة، ولا سيما أنه كان يجيد مختلف أنواع الغناء (العاطفي والسياسي والاجتماعي والديني).

وكان خان كريماً في تلبية تلك الدعوات، فقد سافر أولاً إلى كينيا يرافقه صديقه ونديمه عازف الكمان البارع سعيد عبدالله الحبشي، ثم جاءت رحلته الثانية وكانت إلى الحبشة والصومال، فرحلة ثالثة إلى جيبوتي، فرحلة رابعة إلى الكويت التي تردد عليها أكثر من مرة وكان آخرها في سنة 1960، حينما مكث فيها شهراً كاملاً أحيا فيه العديد من حفلات الزواج والجلسات الشعبية، وسجل أثناءها أيضاً عدداً من الأسطوانات لمصلحة شركة «بوزيد فون» كما قام برحلة إلى السعودية التي أقام بها مدة سنتين تنقل فيهما بين مدن الحجاز ونجد، وأنتج أثناءهما بعض الأعمال التي جاءت متأثرة بالألوان الحجازية والنجدية. وفي كل هذه الأقطار أحيا حفلات غنائية عامة وخاصة زادته شهرة ونجومية وتألقاً وجمهوراً.


وطبقاً لما أورده الفنان اليمني المعروف محمد مرشد ناجي في كتابه «الغناء اليمني القديم ومشاهيره» الصادر في سنة 1984، فإن مدير إذاعة عدن في تلك الفترة «حسين أحمد الصافي» استغل ما حققه خان من شهرة فاستدعاه إلى عدن وتعاقد معه على تسجيل 30 أسطوانة من أغانيه.


والحقيقة أن انتقاله من حضرموت إلى عدن شكل منعطفاً مهماً في حياته، بسبب مكانة عدن آنذاك ميناءً مفتوحاً وواحداً من أهم المراكز الحضارية والثقافية المتمدنة في جنوبي شبه الجزيرة العربية، حيث نشط هناك فنياً كما لم ينشط من قبل، وكثر المعجبون والمتأثرون به وبفنه، وانهالت عليه العروض تباعاً لتسجيل أغانيه في أسطوانات لدى تسجيلات «مستر حمود» (40 أسطوانة)، ولدى «عزعزي فون» (60 أسطوانة)، ولدى «عيدروس الحامد» (12 أسطوانة).


ومن أهم الأعمال الغنائية التي سجلها خان ولقيت صدى طيباً لدى الجمهور وذاع صيتها في أقطار الخليج والجزيرة العربية وبين الحضارم في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا: «نالت على يدها»، و«نادمته على الصفاء»، و«يا حبيب القلب صلني»، و«يا رسولي توجه بالسلامة»، و«رمش عينه بريد المحبة»، و«بالغواني قلبي مولع»، و«حي ليالي جميلة»، و«بسألك يا عاشور»، و«عذبتنا يا خفيف الروح»، و«أتت هند شاكية لأمها»، و«مهفهة بالسحر من لحظاتها.. إذا كلمت ميتاً يقوم من اللحد»، و«عاد قلبي معك»، و«عليك العمد يا رب لا خاب من قصد»، و«يا من تحل بذكره عقد النوائب والشدائد»، و«جاءت تجر ذيول التيه»، و«إسلمي يا موطني يا أرض عاد»، و«يا عظيم الرجاء تحت بابك»، و«صليني فإن فؤادي للهوى صادٍ»، و«حبيبي قد أذقت القلب تعذيباً وهجرا»، و«مايس القد عوّد بالتلاقي»، و«يا من على البعد أهواها وتهواني»، و«أنا وخلّي تراضينا»، و«ناجت عيوني عيونه»، و«يا نديم الصبوات أقبل الليل فهاتي»، و«حنانيك يا من سكنت الحنايا»، وهذه الأغنية الأخيرة اقتبس لحنها من أغنية هندية قديمة ظهرت في سنة 1951 في فيلم «مدهوش))