هناك حملة إعلامية موجهة ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، هي أقرب إلى الجنون منها إلى البرامج الدعائية التي غالباً ما تتعرض لها الساحات السياسية في مراحل الصراع بين الدول والأحزاب والقوى والمشاريع السياسية المختلفة والمتخالفة، وتأتي هذه الحملة (المجنونة) عقب صدور القرارات التي اتخذها الأخ اللواء عيدروس الزبيدي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، من خلال تعيين بعض الوكلاء والوكلاء المساعدين، وبعض مدراء المؤسسات والهيئات الحكومية ونواب لهيئات ومؤسسات أخرى.
وشخصياً كنت قد تناولت تلك القرارات في منشور سابق، تضمن بعض ملاحظاتي حول هذا الموضوع، وأول هذه الملاحظات أن أغلب المواقع التي تم تعيين أفراد فيها ليست ذات أهمية كبيرة، وبعض المعينين يضافون إلى زملاء سابقين لا يقومون بأي عمل وربما ليس لدى البعض منهم حتى مكتب يعمل فيه.
لكن الحملة الأعلامية المتصاعدة ضد الأخ عيدروس الزبيدي وضد المجلس الانتقالي الجنوبي لا علاقة لها بهذه القرارات، وإن اتخذت منها ذريعةً لهذا الهجوم الجنوني، بي إنها موجهة عملياً ضد المشروع الجنوبي المعلن منذ العام 2007م والمتمثل في النضال من أجل استعادة الجنوبية بحدود 21 مايو 1990م ، وقدكسف المنحى الذي اتخذته عن حقيقة الصراع بين مشروعين مختلفين ومتعارضين يتصارعان داخل ما يسمى بـ"مجلس القيادة الرئاسي"، الذي أثبتت الأيام أنه أعجز من أن يوفر من الوقود ما يكفي لتشغيل كهربا عدن ليومين أو ثلاثة أيام، وأعجز من أن يقدم قرص أسبرين لمريض أو يوفر عملية جراحية لجريح من الذين صعد أعضاء هذا المجلس وكل التابعين لهم وهم بالآلاف على دمائهم وجراحهم وعذاباتهم وآلامهم؛ لكنه قادر على دفع عشرات الملايين من الدولارات شهرياً للنازحين المرفهين في إسطنبول والقاهرة والدوحة والرياض وجدة وعمَّان وغيرها.
في أبريل 2022م وبعيد تشكيل هذا المجلس والانقلاب على الرئيس عبد ربه منصور هادي، من خلال ما سمي "نقل السلطة" قلت لقناة الغد المشرق إن هذه المجلس هو عبارة عن تجميع لعدة مشاريع متناقضة ومتصادمة، والمبادرة التي جاءت به إلى الصدارة، لا تختلف عن المبادرة الخليجية عام 2011م والتي تضمنت انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي رئيساً لبلادٍ غير بلاده وشعبٍ غير شعبه، حينما كان الجنوب خارج سيطرة السلطة في صنعاء، كما أدت (تلك المبادرة) إلى تجميع كل القوى المتناحرة في وعاء واحد ما لبث إن انفجر وأوصل اليمن إلى حالتها الراهنة، ، وبنفس الآلية الميكانيكية جرى انتخاب العليمي رئيسا لبلاد غير بلاده وشعب غير شعبه، وكان لا بد من الوصول إلى اللحظة الراهنة وما ستليها من مواجهات نتمنى أن تتوقف عن الصراع اللفظي وبــ"الوسائل السلمية".
إن الأزمة الحالية في عدن لا تكمن في تعيين عشرة أو اثني عشر موظفاً من مستوى وكيل ووكيل مساعد، بل إنها أعمق بكثير، فحينما يكون رئيس البلاد مستعاراً من بلاد شقيقة، وله تاريخ من العلاقات العدائية مع الشعب الذي يحكمه، وكطل سياساته تقوم على مواصلة تعذيب هذا الشعب من خلال التجويع ومحاولات التركيع وحرب الخدمات ، لا بد أن تصل الأمور إلى لحظة انفجار الوعاء المضغوط، الذي لم يعد فيه متسعاً للمزيد من الضغط، وعلى العليمي أن يشكر الشعب الجنوبي على صبره وتحمله عذابات السنين التي استجلبها له وصنعها بإتقان لا يُنافسه عليه حتى إبليس، وعليه أن يعتذر عن الجرائم التي ارتكبها في حق هذا الشعب قبل وبعد توليه مهمة مجلس القيادة الرئاسي صاحب الرقم القياسي في الفشل في كل تاريخ الشعبين في الشمال والجنوب،
إن المخرج من هذه المعضلة لا يمكن أن يتم من خلال المعالجات الترقيعية التي برهنت فشلها منذ العام 2011م ، بل إن المخرج الوحيد ينحصر في حلِّ هذا المجلس ومعه ما يسنلى بــ"حكومة المناصفة" الذين عجزا عن القيام بوظيفة مدير مديرية، أو سرية حراسة، وتشكيل حكومة جنوبية برئيس جنوبي لإدارة شؤون الجنوب وحكومة منفى شمالية للتعامل مع الجماعة الحوثية في صنعاء وحل الأزمة السياسية في الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) سلماً أو حرباً.
وفي هذا السياق سيكون على الجنوبيين دعم الشعب الشمالي الشقيق بكل الوسائل للخروج من وضعه الراهن، لكنني أدعو الزملاء في القيادة السياسية الجنوبية إلى الكف عن شن الحملات والتهديدات الإعلامية تجاه الجماعة الحوثية، ليس لأننا راضون عما تفعله مع الشعب الشمالي أو ما فعلته مع الشعب الجنوبي في العام 2015م، ولكن لأن المشكلة مع الحوثيين هي مشكلة شمالية-شمالية، ونحن كجنوبيين قد حسمنا أمرنا معهم في يوليو من العام 2015م، وبعد تحرير مديريات بيحان على أيدي رجال قوات العمالقة الجنوبية بقيادة العميد أبي زرعة المحرمي، وتبقى مشكلة المواجهات في المناطق الحدودية في الضالع وعقبة ثرة ومكيراس وغيرها قضية ثانوية كأي مشكلة حدودية بين دولتين جارتين، وهي تتوقف على سلوك الجماعة الحوثية واحترام قيادتها لمبادئ العلاقات الأخوية بين الشعبين وحسن الجوار بين البلدين الشقيقين.
"واللهُ يَعْلَمُ مَا تَبْدُوْنَ وَمَا تَكْتُمُوْن"