آخر تحديث :الأحد-28 ديسمبر 2025-01:34ص
أخبار وتقارير


قراءة سياسية في معركة الانتقالي مع تعقيدات المرحلة

قراءة سياسية في معركة الانتقالي مع تعقيدات المرحلة
الأحد - 28 ديسمبر 2025 - 12:57 ص بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

كتب / د. عامر الحريري

في المنعطفات التاريخية الحاسمة، لا تُقاس قوة القيادات بحجم الخطاب، بل بقدرتها على الصمود تحت الضغط، وإدارة التناقضات، وحماية المشروع الوطني من محاولات الاحتواء والتفريغ. وما تواجهه قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم يندرج ضمن أكثر مراحل الصراع السياسي تعقيدًا، حيث تتكاثف الضغوط وتتعدد أدواتها، في محاولة لإعادة ضبط مسار القضية الجنوبية خارج إرادتها الشعبية.

الضغوط الراهنة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج إدراك إقليمي ودولي متزايد بأن القضية الجنوبية تجاوزت مرحلة المطالب، وأصبحت واقعًا سياسيًا وشعبيًا وعسكريًا لا يمكن تجاهله. غير أن هذا الإدراك لم يتحول إلى اعتراف صريح بالاستحقاقات، بقدر ما تُرجم إلى سياسات لإدارة الأزمة، تقوم على التدوير والتأجيل وربط المسار الجنوبي بملفات جانبية تستنزف الوقت وتربك الأولويات.

في هذا السياق، تتحمل القيادة الجنوبية ضغوطًا سياسية مركبة، تستهدف القرار والسيادة على الموقف، عبر أدوات تفاوض غير متكافئة، وضغوط دبلوماسية، ومحاولات لإعادة إنتاج صيغ تجاوزها الواقع. ومع ذلك، يبرز الثبات القيادي خيارًا استراتيجيًا واعيًا، يقوم على فهم عميق لموازين القوى، وتقدير دقيق لكلفة التسرع مقابل مكاسب الصبر السياسي.

داخليًا، لا تقل التحديات جسامة؛ فالمعاناة المعيشية، وارتفاع سقف التوقعات الشعبية، ومحاولات الاستثمار في الأزمات الخدمية، كلها عوامل تُستخدم للضغط على القيادة ودفعها نحو قرارات متعجلة أو تنازلات غير محسوبة. إلا أن الرهان الحقيقي يظل معقودًا على وعي الشعب الجنوبي، الذي أثبت في محطات مفصلية قدرته على الفصل بين جوهر القضية وتعقيدات المرحلة، وعلى الصبر دون التفريط بالهدف.

ويمثل تماسك القوات المسلحة الجنوبية أحد أهم عناصر القوة في هذه المعادلة؛ فالثبات العسكري والانضباط المؤسسي يمنحان القرار السياسي عمقًا استراتيجيًا، ويحولان دون تحويل الضغوط إلى أدوات فرض أو ابتزاز. إن وجود قوة تحمي المنجز وتلتزم بعقيدة وطنية واضحة يشكل عامل توازن حاسم في بيئة سياسية مضطربة.

أما عدالة القضية الجنوبية، فهي الركيزة الأعمق والأكثر رسوخًا؛ إذ ليست شعارًا عاطفيًا، بل حقيقة سياسية وتاريخية تشكلت عبر عقود من الإقصاء والتهميش، وتكرست بإرادة شعبية دفعت أثمانًا باهظة دفاعًا عن حقها في تقرير مصيرها. وتمثل هذه العدالة رأس المال السياسي الأكبر، الذي يمنح القيادة شرعية الصمود، ويجعل الضغوط، مهما اشتدت، عاجزة عن كسر جوهر المشروع.

إن اليقين بالوصول لا يعني إنكار صعوبة الطريق، بل يعكس قراءة واقعية لمسار تراكمي يقترب من لحظته الفاصلة. فالوصول في القضايا الوطنية الكبرى لا يكون قفزة عشوائية، بل حصيلة صبر وتوازن وإدارة واعية للصراع. ومن هنا، فإن عبارة «وقد نكاد نصل» ليست تعبيرًا عن تردد، بل توصيف دقيق لمرحلة اقتراب تاريخي، يصبح فيها الثبات بحد ذاته فعلًا سياسيًا.

وفي المحصلة، فإن الضغوط التي تواجهها قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم لا تمثل مؤشر ضعف، بل دليلًا على ثقل المشروع الجنوبي وتأثيره في معادلات الإقليم. فالمشاريع الهشة لا تُحاصَر، والقضايا الهامشية لا تُستهدف. وحدها القضايا الحية، التي تمتلك شعبًا وقضية وقوة، تُواجَه بهذا القدر من الضغط… لأنها ببساطة تقترب من لحظة الحسم.