كثر الهرج والمرج، واختلط الحابل بالنابل، وتساقطت أوراق كثيرة اختبأت تحتها آفات وأمراض سياسية واجتماعية ما زلنا نعاني آثارها حتى اليوم. وفي خضم هذا المشهد المربك، يصبح من الواجب على كل صاحب رأي أن يحدد موقفه بوضوح ومسؤولية، فهذه بلدنا جميعًا، وما يجري فيها لا يحتمل المزيد من المكابرة أو الهروب إلى الأمام.
الجنوب بين التاريخ والشرعية
الجنوب لم يكن يومًا فكرة عابرة أو كيانًا طارئًا، بل كان دولة قائمة بذاتها، ذات سيادة كاملة، لها علمها وعملتها، ومقعد معترف به في الأمم المتحدة، وتمثيل دبلوماسي لدى مختلف دول العالم. هذه حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها أو تجاوزها، وتمثل أساسًا مهمًا لأي نقاش سياسي جاد حول الماضي والحاضر والمستقبل.
لقد دخل الجنوب في شراكة وحدة مع إخوتنا في الجمهورية العربية اليمنية بدافع حسن النية، وبآمال كبيرة في بناء دولة قوية يتقاسم فيها الجميع الحقوق والواجبات. لكن ما جرى بعد ذلك لم يكن على مستوى تلك التضحيات ولا تلك الآمال، وقدر الله وما شاء فعل، ولا نقول إلا ما يرضي الله.
فشل التجربة ونتائج الصراع
الاختلاف في حد ذاته ليس مشكلة، فالاختلاف سنة من سنن الحياة. المشكلة الحقيقية كانت في إدارة هذا الاختلاف بالقوة، وفي الإصرار على المكابرة، ما أدى إلى أنهار من الدماء وآلاف الضحايا، ودمار كل ما هو جميل في نفوس الناس وعلاقاتهم.
للأسف الشديد، فشلت تجربة الوحدة بصيغتها التي فُرضت بعد حرب 1994، وتحولت من وحدة شراكة إلى واقع ضم وإلحاق بالقوة. هذا التحول لم يدمر المؤسسات فحسب، بل مزق النسيج الاجتماعي، وأفقد الثقة، وعمّق الجراح بين أبناء الوطن الواحد.
وحدة القلوب قبل وحدة الحدود
الوحدة الحقيقية، كما يجب أن يفهمها الجميع، هي وحدة قلوب لا وحدة حدود مرسومة على الخرائط. قبل إعلان الوحدة كان الناس أكثر قربًا، وكانت العلاقات الاجتماعية والإنسانية أكثر صفاءً. لكن بعد الحرب تفرقنا، وانتهت روح الوحدة، وبقي اسمها فقط.
إن الإصرار على شكل فاشل من الوحدة، دون معالجة جذور المشكلة أو الاعتراف بالأخطاء، لا ينتج إلا مزيدًا من الصراع وقلة الخير للجميع شمالًا وجنوبًا.
رسالتي إلى الإخوة في الشمال
رسالتنا واضحة وصادقة: إذا كان هناك حرص حقيقي على الخير والاستقرار، فليُعاد الجنوب كما كان قبل عام 1990، بكل مؤسساته ومرافقه، وليُعاد الاعتبار لكل الكوادر التي فُقدت أو هُمِّشت. عندها فقط يمكن الجلوس على طاولة حوار ناضج، ومناقشة أي شكل من أشكال العلاقة المستقبلية، بما فيها الوحدة على أساس الندية والرضا المتبادل.
من أجل المستقبل
اليوم نحن أحوج ما نكون إلى التهدئة، وإلى الترحم على أرواح جميع من سقطوا ضحايا للصراعات، سواء قبل الوحدة أو أثناءها أو بعدها. نحن بحاجة إلى الحفاظ على ما تبقى من علاقات إنسانية واجتماعية كانت تجمعنا، وإلى بناء مستقبل يحترم الإرادة والكرامة والحق.
في النهاية، هذه بلدنا، ومسؤوليتنا جميعًا أن نضع بصمتنا خيرًا لا شرًا، وأن نحدد مواقفنا بوضوح، بعيدًا عن العنف والكراهية، وقريبًا من الحق والعدل والسلام.
عبدالقادر السميطي
دلتا أبين