آخر تحديث :الأربعاء-05 نوفمبر 2025-11:39م
أخبار وتقارير


من باع ترابه خسر زاده، ومن أهمل قناته تصحّرت أرضه.

من باع ترابه خسر زاده، ومن أهمل قناته تصحّرت أرضه.
الأربعاء - 05 نوفمبر 2025 - 08:18 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

في السنوات الأخيرة، بدأت دلتا أبين، هذه السلة الغذائية الغنية، تفقد جزءًا من روحها الزراعية شيئًا فشيئًا.

قنوات الريّ السيلي التي كانت شريان الحياة للأرض والمزارعين تعطّلت في كثير من المناطق الزراعية، فتوقّفت مياه السيول عن الوصول إلى مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، وتحولت إلى بقع جافة تنتظر مصيرًا مجهولًا.


وحين يجفّ الماء، تجفّ معه العزيمة... فيضطرّ المالك مُكرهًا إلى تخطيط أرضه بقعًا سكنية، بحجة عدم وصول مياه الري إليها.

وهكذا تتحول التربة التي كانت تُنبت القطن والفول السوداني والسمسم والذرة الرفيعة والدخن والذرة الشامية إلى أساسات خرسانية، وتنمو فيها حبوب البُردين بدلًا من حبوب الذرة والسمسم والخضار.


من يفرّط في أرضه كمن يفرّط في خبزه أو طعامه.


الأرض الخصبة ليست مجرد ملكية خاصة، بل هي ثروة قومية وأمان غذائي، وهي التي تمدّ المائدة بالحبوب ورغيف الخبز والخضروات والفاكهة، وهي التي تحفظ لنا بقاءنا على قيد الحياة في وجه تقلبات المناخ وأزمات الغذاء.


خلونا نأخذ نفسًا عميقًا،

ولنا أن نتخيّل إن استمرّ الحال بهذا الاتجاه حتى عام 2030م، أننا سنخسر مساحات شاسعة من أجمل وأغنى أراضي الدلتا، ابتداءً من جسر هَرْتلي وما يليه من أراضٍ زراعية وصولًا إلى نهاية السَّمَر المُخزَّن، حتى نصل غربًا إلى أقرب نقطة لوادي بَنَا بالقرب من ساكن وعيص ذلك الوادي، الذي كان يومًا ما نهرًا من الحياة.

اسألوا الرعيان الذين كانوا يحفرون 50 سم في نفس الوادي كي تشرب مواشيهم، ولا تستغرب إن قلت لكم إن هذا الوادي أصبح اليوم غابة من أشجار السيسبان التي أغلقت مجراه، ولم يتبقَّ لمرور مياه السيول سوى أقل من عشرة أمتار.

هذه الغابات حولت مجرى السيول إلى المناطق الزراعية وتسببت في جرف كثير من الأراضي الخصبة.


تعال معي، أخي العزيز،

قِف على جسر الصين أبين، وانظر شمالًا وجنوبًا،

سوف تدرك حجم الكارثة التي نعيشها،

ونعلم جميعًا أن الجسر نفسه قد يصبح في خبر كان إن لم تُكافَح السيسبان وتُفتح مجاري السيول في الوادي من جديد.


زحف الكتل الإسمنتية يلتهم خصوبة الأرض الزراعية.


المخططات السكنية انتشرت كظلٍّ ممدود، حتى باتت مدينتا زنجبار وجعار على وشك أن تتعانقا شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، وما بينهما أراضٍ زراعية كانت تنبض بالحياة وتنتج الغذاء والدواء والكساء.

من الرميلة الغربية إلى نهاية السمر،

ومن أبين زنجبار إلى جبل خنفر،

تتساقط الحقول واحدًا تلو الآخر،

وكأننا نودّع تاريخًا زراعيًا امتدّ لعقود طويلة.


فمن المسؤول؟

ومن يوقف هذا النزيف؟

هل نحن أمام تخطيط عمراني عشوائي؟

أم عجز مؤسسي عن صيانة قنوات الري والسيطرة على مسارات السيول؟


رسالة إلى كل مالك أرض:


لا تقل: هذه أرضي وأنا حرّ فيها،

بل قل: هذه أرضي وسأحافظ عليها، وسأطالب بإصلاح قنوات الري لتبقى خصبة كما كانت.

فالحرية الحقيقية ليست في بيع الأرض، بل في إحيائها.

ومن يفرّط في أرضه اليوم، سيفقد غذاءه وغذاء أولاده.


حكمة من أرض الواقع:


يُحكى أن أحد المزارعين باع أرضه الخصبة واشترى بثمنها سيارة فاخرة،

فقال له أحد الحكماء:

"يا هذا، لقد بعت الجذر واشتريت الغصن، فمتى يثمر الغصن بلا أصل؟"

فابتسم المزارع وقال:

"السيارة تسير بي اليوم!"

فأجابه الحكيم:

"والأرض كانت تسير بك العمر كله!"


واسمع الثانية:

يُقال اليوم في أبين ساخرين:

"فلان باع أرضه واشترى بيتًا... لكنه نسي أن البيت كان يمكن أن يُبنى من خيرات الأرض نفسها!"

فصارت الناس تنظر إلى من يفرّط في أرضه الزراعية كما ينظر الصياد إلى من كسر صنّارته في موسم الصيد!

والحليم تكفيه الإشارة.


نعم يا سادة، الوضع خطير،

ويحتاج إلى تحرك عاجل من الجهات المختصة لإعادة تأهيل قنوات الري السيلي التي خرجت عن منظومة الري، وتم استخدامها لمرور مياه الصرف الصحي، ولفتح مجاري الوديان، ومكافحة السيسبان، ووضع ضوابط صارمة لمنع تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية دون دراسات علمية واضحة.


فإن ضاعت دلتا أبين، ضاع معها مخزوننا الزراعي، وتراجعت قدرتنا على تحقيق الأمن الغذائي.


رسالتي للمزارع:

حافظ على أرضك كما تحافظ على قلبك،

فالأرض إذا نبضت بالماء أعطتك الخير،

وإن عطشت منك صارت صحراء لا تنبت إلا الندم.


عبدالقادر السميطي

دلتا أبين