كتب - محمد مرشد عقابي
رغم السنوات العجاف التي يعيشعا التربويين والمعلمين في ظل اوضاع الصعبة التي يمر بها الوطن، والتي ألقت بظلالها القاتمة على العملية التربوية والتعليمية في مختلف مستوياتها، من التعليم الأساسي وحتى الجامعي والفني، ظهرت نماذج مشرقة ومشرفة أعادت الأمل في استمرار العلم والمعرفة.
لقد أدت الاوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، وتوقّف صرف رواتب المعلمين بجانب ضئالتها وعدم توفر الكتاب المدرسي بالشكل الكافي، إلى انهيار واسع في البنية التعليمية في معظم مدارس المناطق المحررة، حيث غادر عدد كبير من المعلمين البلاد أو اضطروا للتوقف عن العمل أو الإنخراط في السلك العسكري أو في مهن أخرى بحثا عن لقمة العيش.
ومع ذلك، لم تستسلم كل المؤسسات التعليمية لهذا الواقع المرير والمؤلم، بل برزت مؤسسات صمدت وتحدّت هذه المرحلة العصيبة بإصرار وعزيمة، وكانت من أبرزها مدرسة الشهيد عباس في المسيمير بمحافظة لحج التي تقودها الإدارية القديرة الأستاذة صفية صالح سالم، حيث غدت هذه المدرسة منارة للعلم والتفوق في زمن الحرب والظروف المعقدة، ونموذجاً يُحتذى به في عموم الجنوب.
منذ أن تسلمت الأستاذة الفاضلة صفية صالح سالم إدارة المدرسة العام قبل الماضي، انطلقت المدرسة في فضاءات التميز وسلكت مسار الإبداع بثبات، متجاوزة كافة التحديات الميدانية والاقتصادية والتعليمية، ونجحت في بناء منظومة تعليمية فعالة رغم الإمكانيات المنعدمة أو المحدودة.
ورغم شح الإمكانيات، وغياب معلمي التخصصات العلمية، وعدم توفر الموارد الأساسية، استطاعت إدارة المدرسة أن تعوّض هذا النقص عبر استقطاب مدرسات متطوعات، وتفعيل برامج تدريبية حديثة للمعلمين والطلاب، بالإضافة إلى استخدام الوسائل التعليمية المتطورة، وعلى رأسها الشاشات التفاعلية ومركز البحث العلمي والمعامل المخبرية الحديثة، مما ساهم في رفع كفاءة العملية التعليمية وتحقيق مخرجات عالية الجودة.
لم تقتصر جهود المدرسة على الجوانب الأكاديمية فقط، بل كانت حاضرة بقوة في مختلف الأنشطة المدرسية والمهرجانات الوطنية والدولية، فقد أقامت فعاليات متعددة في المناسبات الوطنية، وشاركت في مسابقات على كافة المستويات، محققة مراكز متقدمة، ما عزز من مكانة المدرسة بين نظيراتها في بقية مديريات المحافظة.
وتعكس الإنجازات العلمية والبحثية والإبداعية لتلاميذ المدرسة، حجم الجهود المبذولة من قبل إدارة المدرسة في صقل قدرات الطلاب ومهاراتهم المختلفة، كما تعكس تلك الإنجازات غير المسبوقة، الخطوات المدروسة لإدارة هذه المدرسة غير الحكومية التي تعمل في ظل ظروف غاية في التعقيد، مما يعكس جودة العملية التعليمية وانضباطها وتميزها.
لقد تألقت مدرسة الشهيد عباس في زمن الحرب والإنهيار، ونهضت بالتعليم، وصنعت التفوق، وكتبت قصة نجاح تربوي في زمن المحن والنكبات والأزمات، فهذا التميز والإبداع ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة لتكامل عدة عوامل رئيسية، من أهمها: القيادة الإدارية الواعية والناجحة بقيادة الأستاذة صفية صالح سالم، وإخلاص وتفاني الهيئة التدريسية، ودعم المجتمع المحلي والمؤسسات المجتمعية، والخبراء التربويين وفي مقدمتهم التربوية القديرة الأستاذة نجوى فضل، وجهات مانحة أخرى لعبت دوراً مهماً في استمرارية المدرسة وتطورها.
ختاماً، تُعد مدرسة الشهيد عباس بالمسيمير، أنموذجاً حقيقياً لما يمكن أن تصنعه الإدارة الرشيدة، والإرادة الصادقة، والتكاتف المجتمعي، حتى في أحلك الظروف، إنها ليست مجرد مدرسة، بل صرح وطني يبعث برسالة أمل إلى كل أبناء هذا الوطن رغم صعوبة المرحلة الإستنثائية التي نعيشها، ويثبت أن هناك من لا يزال يصنع التعليم غير آبه بالمستحيل والمثبطات والعراقيل والمعوقات.