كتب /نايف زين ناصر:
أطلّ أحمد علي عبدالله صالح في ذكرى ثورة 26 سبتمبر بخطاب أثار جدلًا واسعًا بين النخب والمتابعين لما حمله من دلالات مرتبطة بالماضي أكثر من ارتباطه بالواقع السياسي الراهن ولعل المقارنة بين خطابه وخطابات والده الرئيس الراحل علي عبدالله صالح تكشف الكثير من الفوارق في الأسلوب والأدوات والقدرة على التأثير.
علي عبدالله صالح رغم كل كوارثه وأخطائه التي ما زال اليمنيون يدفعون ثمنها حتى اليوم كان يمتلك قدرة خطابية خاصة كان يخاطب الداخل مباشرة يمزج بين التهديد والوعود وبين الدعابة والرسائل السياسية الثقيلة وبحكم أنه كان يملك الجيش والحزب وشبكة الولاءات القبليةفقد كان لأي كلمة يتفوه بها أثر فوري على الأرض خطابه لم يكن مجرد كلمات بل كان أحيانًا إعلانًا لتحولات سياسية أو رسائل تحذير مبطنة للخصوم.
أما أحمد علي فجاء خطابه أقرب إلى بيان مكتوب بلغة رسمية خالٍ من الارتجال والعفوية التي ميزت والده لا يحمل نبرة الزعيم أو القائد بل بدا وكأنه يقرأ رسالة من مكتب دبلوماسي ركّز على الجانب العاطفي المرتبط بثورة 26 سبتمبر والجمهورية لكنه لم يقدم خطوات عملية أو رؤية سياسية واضحة بدا الخطاب موجهًا أكثر للخارج – للتحالف والمجتمع الدولي – كرسالة إثبات وجود لا كخطاب قادر على تحريك الداخل.
الاختلاف الجوهري هنا أن صالح الأب كان يمتلك أدوات السلطة الفعلية: جيش حزب قبائل نفوذ سياسي لذلك كان صوته مسموعًا وقراراته نافذة أما أحمد علي فيخاطب من موقع الغياب دون أدوات مؤثرة على الأرض سوى رمزية كونه نجل الرئيس السابق. خطابه إذًا مهما ارتفع سقفه يبقى محدود الأثر أقرب إلى محاولة تذكير بتاريخ العائلة منه إلى تغيير قواعد اللعبة.
خطابات علي عبدالله صالح رغم مساوئها كانت دائمًا مرتبطة بمواقف سياسية عملية إعلان تحالف أو تصعيد أو تهدئة أما خطاب أحمد علي فجاء أقرب إلى رسالة رمزية تحاول إعادة تقديم نفسه كخيار سياسي محتمل في المستقبل مستندًا إلى الإرث العائلي أكثر من قوة الحاضر.
من زاوية الجنوب، هذه الخطابات – سواء من أحمد علي أو غيره من رموز الشمال – لا تعني شيئًا فالجنوبيون اليوم يقرأونها كجزء من صراع داخلي شمالي بحت لا علاقة له بخياراتهم ولا بطموحاتهم الجنوب الذي يواجه أوضاعًا صعبة لكنه يتمسك بحق الاستقلال واستعادة دولته لا ينتظر خطابات من عائلة صالح أو غيرها بل ينتظر خطوات عملية نحو اعتراف إقليمي ودولي بحقه الطبيعي والتاريخي.
التحليل الموضوعي السابق يقودنا إلى أن خطاب أحمد علي لم يكن سوى ظل باهت لخطابات والده يفتقد الكاريزما الأدوات والتأثير المباشر وإذا كان والده قد أخطأ كثيرًا في إدارته للوحدة والحروب والسلطة فإن الابن حتى الآن لا يقدم سوى حضور رمزي يذكّر الناس بمرحلة انتهت ودفعت اليمن أثمانها الباهظة أما الجنوب فهو ماضٍ في مساره الخاص بعيدًا عن كل هذه الخطابات