أربعة أشهر يا سادة، ليست أياماً ولا أسابيع… أربعة أشهر والموظف في عدن ومحافظات الجنوب يبحث عن راتبه كما يبحث الغريق عن قشة.. أربعة أشهر بلا خبز مضمون، بلا دواء مضمون، بلا كرامة مضمونة. الموظف صار يعيش على "الأجل" عند البقال، وعلى "وعد قريباً" من الحكومة، وعلى "استر يا رب" من رب العالمين.
تخيلوا معلماً يشرح لطلابه درس عن الأمل فيما أطفاله في البيت يتقلبون على جوعهم تخيلوا موظفاً في المستشفى يداوي المرضى فيما لا يجد ثمن الدواء لزوجته تخيلوا رب أسرة يذهب إلى عمله كل صباح بينما إيجار بيته ينتظر كالقنبلة الموقوتة عند باب المؤجر والمضحك المبكي أن الحكومة والبنك المركزي ما زالوا يعزفون نفس الأسطوانة: "الراتب سيصرف قريباً " وقريباً عند الموظف مع كل هذا التأخير صار أطول من السنة وصار الشعار اليوم نعيش على الوعود ونقتات على الصبر حتى البقال صار يسخر: "أنا أعيش على وعودكم وأنتم تعيشون على وعود حكومة بن بريك وبنك المعبقي المركزي عدن".
يبرز سؤال هنا يوجع القلب: هل صحيح أن 11 مليون دولار صُرفت إعاشة لأولئك المتواجدين في الخارج؟ إذا كان الجواب نعم، فلماذا يُترَك الموظف هنا في الداخل جائعاً محروماً؟ أليست الأولوية لمن يواجه الحياة كل يوم وسط انقطاع كامل أو شبه كامل في الكهرباء وغلاء الأسعار وضيق العيش؟ أم أن الكرامة تُصرف بالدولار في الخارج والجوع يُصرف بالانتظار في الداخل؟
يا حكومة بن بريك ويا معبقي البنك المركزي بعدن كفى عبثاً الراتب ليس مِنّة ولا تفضّلاً الراتب حياة أنتم لا تؤخرون أرقاماً في كشوفات أنتم تؤخرون لقمة عيش، دواء، كرامة، مستقبل أطفال.
لقد صبر الموظف أكثر مما يحتمل بشر وسخر من قهره أكثر مما يليق بالكرامة لكنه لن يصبر للأبد الغضب قادم إن لم يُصرف الراتب الضئيل والجوع حين ينفجر لا يعرف أبواب القصور من أبواب الأكواخ فلتفهموا جيداً الراتب ليس رفاهية الراتب حياة ومن يسرق الحياة من الناس فليستعد ليواجه صرخة الجياع حين تتحول إلى طوفان