بقلم: عبدالقادر خضر السميطي
لماذا يتحامل البعض على النظام السلاطيني في الجنوب العربي؟ ولماذا يحاول كثيرون اختزال تجربة غنية عمرها مئات السنين في بضع شعارات أُطلقت بعد الاستقلال؟ أهو جهل بالتاريخ؟ أم محاولة متعمدة لطمس هوية جنوبية كانت وما تزال بحاجة لأن تُفهم وتُحترم لا أن تُلغى وتُعاد صياغتها بقرار سياسي؟
من يقرأ تاريخ السلطنات في الجنوب العربي بإنصاف سيدرك أن تلك الأنظمة كانت دولًا مكتملة الأركان، وليست مجرد تكتلات قبلية أو هياكل تقليدية. كانت تملك الأرض وتحكمها بقوانين وتوزعها وفق رؤية اقتصادية بسيطة لكنها فعالة. لم تكن أراضي دلتا أبين الخصبة أرضًا مواتًا، بل كانت منجمًا زراعيًا تحكمه الأنظمة والقوانين وتُوزع موارده بعدالة.
أكبر الأراضي الزراعية وأكثرها خصوبة كانت أرض السلطنة الفضلية، تليها أرض السلطنة العفيفية اليافعية. هذه الأرض التي تحولت مع الزمن إلى مساحات متصحرة جرداء، كان يمكن أن تكون سلة غذاء للجنوب وربما لكل اليمن لو تم استغلالها بعقلانية.
لماذا لم تُبادر الدولة بعد الاستقلال أو حتى بعد الوحدة إلى التنسيق مع السلاطين وممثليهم أو مع ملاك الأراضي؟ لماذا لم يتم تحويل تلك الأراضي إلى مشاريع زراعية حقيقية تستوعب آلاف العاطلين عن العمل؟
نظام السلاطين قد لم يكن مثاليًا، لكنه كان منظما. يكفي أن ننظر إلى أنظمة الري القديمة ولوائح توزيع المياه في دلتا أبين لنعرف أن الأمر لم يكن عشوائيًا. كل قناة كانت تعرف نصيبها بالسنتيمتر، وكل منطقة ومزرعة تعرف وقتها في استلام المياه.
فلتُفتح ملفات السلطنات ولتُدرّس في مناهج التعليم، لا تعظيمًا لأشخاص بل فهمًا لهوية وتاريخ وجذور الجنوب. ليس رقعة جغرافية فقط، بل ذاكرة وهوية وروح.