بقلم: م. عبدالقادر خضر السميطي:
بين شجرةٍ تُخدّر العقل وتُستهلك الجهد والمال وأخرى تُنعش الجسد وتُنعش الاقتصاد، تدور في يمننا الحبيب معركة صامتة لكنها مصيرية. إنها الحرب بين شجرة القات وشجرة البُن.
لسنوات ظلت شجرة القات تغزو مدرجاتنا الخصبة وتلتهم مياهنا الجوفية وتنهش أوقاتنا وصحة شبابنا. بينما في الطرف الآخر تقف شجرة البُن شامخة هادئة لكنها ثرية برمزيتها وعالية بقيمتها ومتواضعة في متطلباتها.
فمن ينتصر يا ترى؟ شجرة القات أم شجرة البُن؟
حينما تُثار فكرة استبدال القات بالبُن في أي نقاش، نجد أنفسنا أمام انفجار عاطفي من بعض المزارعين، وكأننا دعوناهم لاقتلاع شريان حياتهم.
وهذا أمرٌ مفهوم، فالكثير منهم يعتمدون كليًا على مردود القات في معيشة أسرهم.
وهنا تأتي مسؤوليتنا كمختصين ومُهندسين ومناصرين للزراعة المستدامة وأصدقاء لمحصول البن أن نخاطب العقول والقلوب بحكمة لا بصدام.
علينا تجنب الصدام والتصرف بحكمة وبدبلوماسية.
أكبر خطأ يرتكبه بعض المتحمسين للبُن أنهم يهاجمون القات بشكل مباشر، فيخسرون المزارع قبل أن يكسبوه.
الواجب هو توعية ذكية غير استفزازية، بل بأسلوب دبلوماسي يلامس واقع المزارع دون أن يُشعره بالإدانة.
نُقدم له نماذج واقعية عن أضرار القات الصحية، مثل أنها تسبب انسدادات المعدة وهبوط السكر، إلى خطورة المواد الكيميائية السامة التي تُرش بلا رقابة، لكن دون تخويف فج، بل بقصص حقيقية وواقعية ومؤثرة.
الإغراء الذكي بدل الصراخ، المزارع اليمني ليس عدواً لشجرة البُن، بل هو حليف محتمل، لكنه بحاجة إلى سبب مقنع ليقلع عن القات.
فماذا لو قدمنا له حزمة من الحلول أو البدائل بشكل مغري؟
ما رأيكم أن نبدأ بمنحه مثلاً 10 شتلات بُن، شتلة مانجو، شتلة ليمون، شتلة برتقال، شتلة رمان، هدية من جهة معتبرة، مثلاً من جمعية زراعية، من شيخ مؤثر، من وزير الزراعة، أو من رئيس قطاع البن، أو من رجل أعمال وطني، أو فاعل خير، أو مدير عام، وغير ذلك.
هذا النوع من الدعم ليس زراعة فقط، بل ترويض ذكي لمزارع القات وتحفيز إيجابي له لتجربة شيء مختلف وأكثر نفعاً على المدى الطويل.
اجزاء كبيرة من بلادنا، ومنها يافع، خلقها الله سبحانه وتعالى بيت محمي طبيعي ينتظر الاستغلال الذكي.
منطقة مثل يافع، بتضاريسها ومناخها المعتدل، أشبه ببيت محمي رباني، إنها بلدة طيبة ومناسبة لزراعة البن وجميع أنواع الفواكه، أكثر من كونها بيئة لزراعة القات.
المطلوب هنا كل ما نحتاجه هو الصبر، المتابعة، والمساندة المستمرة.
لا نزرع الشتلة ثم ننسى المزارع، بل نمشي معه خطوة بخطوة ونعامله باحترام ونجعل له دورًا في التخطيط واتخاذ القرار.
الإرشاد الزراعي والبحوث الزراعية عينان في رأس واحد، مهنة قلبها التواضع.
ومن المبادئ التي تعلمناها في الإرشاد الزراعي أن لا نكذب على المزارع ولا نسخر منه في حالة يخطئ، لا تتفاخر عليه بعلمك على أنك عبده، فشفشي تعرف كل شيء.
فالمزارع لديه خبرات ميدانية وعملية متراكمة وقد يعرف عن التربة والمناخ والنجوم والمواسم والزراعة أكثر مما تعرفه أنت وبعض الكتب.
كن له صديقًا قبل أن تكون مرشدًا وستكسبه إلى صف البن دون معركة.
أخيرًا وليس آخرًا، مسؤوليتنا جميعًا، زراعة البن ليست قضية مزارع فقط، بل قضية وطن، قضية سيادية، قضية اقتصادية، قضية تاريخية وحضارية.
وهي مسؤولية وزارة الزراعة، الجمعيات الزراعية، الاتحادات التعاونية، المنظمات الداعمة، الإعلام الزراعي، ورجال الأعمال وملاك الأراضي.
نريد أن ننتصر في هذه المعركة لصالح البن، لصالح الصحة، لصالح الأخلاق، لصالح التنمية والاقتصاد، لصالح الهوية اليمنية.
لا نريد أن نُجبر المزارع، بل علينا أن نُقنعه ونكسبه ونشاركه الألم والعمل ونجعل همنا هو كيف يكسب وكيف ينجح وكيف يعتمد على نفسه.
فمن المنتصر إذًا؟ نحن من نقرر... إن اخترنا البن فقد اخترنا الحياة.
عبدالقادر خضر السميطي، دلتا أبين، 8/8/25.