كتب/مروان الشاطري
بينما تتنفس المحافظات الجنوبية أخيرًا نسائم من الأمل مع تحسن ملحوظ في سعر صرف الريال اليمني أمام الدولار الأمريكي والريال السعودي، بعد سنوات من الانهيار المدوي الذي مزق أوصال المواطن، يُلاحظ مشهدٌ مثيرٌ للاستغراب والأسى معًا إنه صمت الأسعار المطبق، بل وتصلبها، في وجه هذا التعافي.
ففي الأسواق، لا يزال سعر كيس الدقيق، وعبوة الدواء الحيوي، ولتر الوقود، وأنبوبة غاز الطبخ، وقطعة الغيار البسيطة، يحوم حول ذروته التي بلغها في أحلك أيام انهيار العملة. وكأن قانون الجاذبية الذي يرفع الأسعار لحظة هبوط الريال قد تعطل فجأة، أو كأن التجار – وبعضهم للأسف – تحولوا فجأة إلى "محلات صرافة" لا تتعامل إلا برفع الأسعار لحظيا، وتتجاهل تمامًا أي بادرة تحسن!
هذا التناقض الصارخ ليس مجرد ظاهرة اقتصادية عابرة؛ إنه قضية أخلاقية في الصميم، ومسؤولية دينية جسيمة تقع على عاتق من يملكون زمام السلع ويحتكرون تدفقها إلى المواطن الجريح.
عبئ لا يحتمل على كاهل الفقراء،
إن المواطن اليمني في الجنوب، كما في الشمال، يعيش تحت خط الفقر المدقع. البطالة تخنق الآمال، والأجور – إن وجدت – لا تكاد تسد الرمق. كل ارتفاع سابق في الأسعار كان بمثابة طعنة جديدة في خاصرة الفقراء. واليوم مع تحسن الصرف، كان الأمل الوحيد هو أن يجد هذا المواطن المطحون بعض التنفس وبعض الراحة من هذا العبئ الثقال لكن ما يحدث هو استمرار المعاناة نفسها، بل وتكريسها فأين العدل في ذلك؟ وأين الرحمة وأين الإنسانية؟
أحبتي التجار تذكروا أن الله رقيب على كل صفقة، على كل ربح، على كل ريال تأخذونه من جيب الأرملة واليتيم والعامل الكادح. هل ترضون لأنفسكم أن تكونوا سببًا في زيادة جوعهم أو مرضهم أو عجزهم عن تدبير أبسط ضروريات الحياة؟
فالأمانة في التجارة رزقٌ طيبٌ مباركٌ. أما احتكار السلع، أو المماطلة في تخفيض الأسعار مع تحسن أسعار الصرف، واستغلال حاجة الناس، فهذا غش وخيانة للأمانة التي منحكم إياها المجتمع "ومن غشنا فليس منا".
لقد أصبح التكاتف والتراحم اليوم واجبا فاليمن يمر بأعظم المحن، والتكاتف ليس شعارًا، بل هو واجب إسلامي وإنساني. وتخفيض الأسعار الآن ليس منةً منكم، بل هو واجب التضامن مع أبناء الوطن الواحد الذين يشاركونكم الأرض والمصير. إن التاجر الحقيقي هو من يربح ويُربح، لا من يثري على أنقاض جوع الآخرين.
فهذه التصرفات تجعل الترابط المجتمعي على المحك، واستمرار الأسعار المرتفعة مع تحسن الصرف يزرع بذور الحقد والقطيعة بين فئات المجتمع. ويهدم الثقة بين التاجر والمستهلك، تلك الثقة التي هي أساس أي اقتصاد سليم. إن تخفيض الأسعار هو استثمار في استقرار المجتمع وتماسكه، وهو درعٌ ضد الفتنة والهزيمة الداخلية فمتى تعون ذلك؟
نعلم أن هناك تجارًا شرفاء يتحرون الحلال ويخافون الله ويحملون هموم وطنهم. لكن الصورة العامة المؤلمة تستدعي تحركًا جماعيًا واضحًا وصريحًا.
إننا إذ نخاطب فيكم الضمير والمسؤولية
لتقديم المصلحة العامة على المصالح الضيقة الشخصية قصيرة المدى.
إن تخفيض الأسعار اليوم ليس خيارًا، بل هو واجب لا يحتمل التأخير،
واجب أخلاقي وديني ومجتمعي إنه اختبار حقيقي لذممنا وأماناتنا وتكاتفنا كأمة واحدة. فلننجح في هذا الاختبار، ولنكن قدوة في الرحمة والعدل، كما أمرنا ديننا الحنيف وكما تقتضيه إنسانيتنا.