بعد تولي سالم ربيع علي الرئاسة وبحكم العلاقة النضالية التي ربطتني به، كنت أقابله بين الحين والآخر كرفيق وأناقش معه عدداً من القضايا المتعلقة بكيفية النهوض في الوطن، وأتذكر أنه في أحد هذه اللقاءات كان قد كلفني بتشكيل جمعية لتطوير زراعة البن في يافع التي تشتهر بزراعته.
وفي إطار زياراتي الشخصية له كنت قد زرته إلى قصر الرئاسة صباحاً|، ولحسن الحظ لم يكن برنامجه في ذلك اليوم مزدحما، دخلت عليه بعد أن أبلغه مدير مكتبه بوجودي، وأثناء دخولي رأيت في يده كتابا كان يقرأه. سلمت عليه فوضع الكتاب جانبا ورد عليّ التحية، ثم اشار لي بالجلوس على الكرسي طلب لنا كأسين من الشاي وبقينا نتحدث حول بعض القضايا التي تهم الوطن ونستعيد ذكريات العمل الفدائي.. الخ. وأثناء الحديث قال لي: يا صالح اليوم لدي فراغ أُريد ان نذهب معا إلى منطقة أبين لنتناول وجبة الغداء عند أُمِّي. قلت مازحا: يا سيادة الرئيس وهل هناك أجمل من أن نتناول الغداء في دار الرئاسة؟. رد عليّ قائلا: الرئاسة بالنسبة لي عبء ثقيل واتمنى ان اخرج منها في أي لحظة دعنا نخرج من جو الرسميات ونذهب إلى أمي نأكل فطيرة الدخن أنا مشتاق لها.
ذهبنا في سيارته ولم يكن معه سوى السائق وجنديين. وصلنا إلى منزل والدته في زنجبار، وسلمنا عليها، ثم قعدنا نتبادل الحديث والذكريات حتى يأتي الغداء، كنت متوقعاً انها ستذبح رأس غنم وتقدم لنا وجبه دسمة، لاسيَّما وإنها أُمّ الرئيس، واذا بها تقدم لنا وجبة
مكونة من الخبز الناشف المعمول من حبوب الدخن يسمى "فطير" وبجانبه ست حبات سمك صغير يسمى "عيده". أما منزلها فكان عبارة عن عُشّة متواضعة. قلت للرئيس : يا سيادة الرئيس تتحدث عن التغيير وتحسين معيشة الشعب اِبدأ بتغيير معيشة وعُشّة أُمّك، وابني لها بيتاً.
عندها توجه الرئيس سالمين إلى أُمّه بالسؤال قائلا: يا أُمّي هل تريدين ان أبني لك بيتا ؟. قالت: لا، هذه العشة تزوجت فيها وانجبت فيها وسأموت فيها، ما أريده منك فقط أن تبني لي حماماً بجانب العشة. عندها استدعى أحد الجيران وكلفه بإحضار أحد البنائين ليقوم بالبناء ورفع الفاتورة إليه ليسددها من راتبه كما عرفت لاحقاً.
*********************
من كتاب (ذكريات عمران..الفدائي والإنسان)..
للمناضل صالح فاضل حسين الصَّلاحي
دَوَّنها وصاغها: د.محمد صالح فاضل الصلاحي
مراجعة وتقديم واخراج:د.علي صالح الخلاقي