التغيرات المناخية ومعركة التكيف والتخفيف
علينا أن نبدأ من الصفر، لا لأننا نريد ذلك، بل لأننا فقدنا كل شيء تقريبًا. فقدنا أصنافًا زراعية جيدة كانت ثمرة أكثر من خمسين عامًا من البحث العلمي والجهد المتواصل، وسمحنا للتدهور أن يتسلل بهدوء حتى أصبح واقعًا لا يمكن إنكاره. فالتدهور واضح، ولا مجال للمكابرة أو الهروب من الحقيقة.
ولفهم ما نمر به اليوم، دعونا نستحضر حكاية بسيطة لكنها تحمل معنى عميقًا.
حكاية القرى التي نسيت السماء
كان يا ما كان قرى جميلة تُعرف بقرى دلتا أبين، أرضها خصبة وماؤها وفير، وأهلها يعتمدون على الزراعة والمطر كما اعتادوا جيلًا بعد جيل.
لكن مع مرور الزمن تغيّر كل شيء. تأخر المطر، ثم جاء غزيرًا ومدمرًا، واشتدت الحرارة، وجفت بعض الأراضي، ولم تعد المحاصيل تعطي كما كانت.
قال بعض أهل القرى:
هذا مجرد موسم سيئ وسينتهي.
لكن أحد العقلاء قال لهم بصدق:
السماء لم تتغير وحدها… نحن من غيّرنا علاقتنا بالأرض.
هذه الحكاية ليست خيالًا بعيدًا، بل صورة مصغّرة لواقعنا اليوم. فبعبع التغيرات المناخية لم يعد قصة تُروى، بل حقيقة تُعاش. تغيّر المناخ بات يهدد الأمن الغذائي، ويقضي على التنوع الزراعي، ويضغط على المجتمعات الضعيفة، خاصة تلك التي تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية.
الاعتراف بداية الحل
في الحكاية، لم تبدأ قرى مناطق دلتا أبين بالإنقاذ إلا بعد الاعتراف، وكذلك نحن.
الاعتراف بأننا أخطأنا في إدارة الموارد، وأهملنا البحث العلمي، واستنزفنا المياه، وقطعنا الأشجار النافعة مثل السدر والنيم والسمر البلدي، وتركنا الأشجار الضارة مثل السيسبان تكتسح أراضينا، وتجاهلنا إشارات الخطر، هو الخطوة الأولى في طريق المعالجة.
من الحكاية إلى الواقع: كيف نواجه التغيرات المناخية؟
كما فعل أهل هذه المناطق، يمكننا أن نتحرك عبر مسارات واضحة:
إعادة التشجير لحماية التربة وتلطيف المناخ، والتخفيف من أشجار السيسبان، خصوصًا في الأراضي الزراعية ومجاري السيول.
ترشيد استخدام المياه ووقف الهدر في الري والاستهلاك.
تبنّي الزراعة الذكية مناخيًا القادرة على تحمل الجفاف والحرارة.
حماية الأصناف المحلية وإعادة إحيائها قبل اندثارها.
دعم البحث العلمي وربط المعرفة بالممارسة الميدانية.
تعزيز وعي المجتمع بأن التكيف مسؤولية جماعية لا فردية.
الخلاصة
التغيرات المناخية ليست قدرًا محتومًا، لكنها إنذار مبكر.
والبدء من الصفر لا يعني الفشل، بل قد يكون الفرصة الأخيرة للبناء الصحيح.
فإذا امتلكنا شجاعة الاعتراف وإرادة العمل، يمكننا أن نحمي مجتمعاتنا، ونخفف من آثار التغير المناخي، ونصنع مستقبلًا أكثر أمانًا للأجيال القادمة.
فكما تعافت قرى دلتا أبين، يمكن لأوطاننا أن تتعافى… إذا بدأنا اليوم بالعمل الصحيح.
عبدالقادر السميطي
دلتا أبين