آخر تحديث :السبت-22 نوفمبر 2025-07:39م
أخبار وتقارير


حينما كان قطن أبين سيّد الحقول وسلطان زمانه

حينما كان قطن أبين سيّد الحقول وسلطان زمانه
السبت - 22 نوفمبر 2025 - 02:57 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

في زمنٍ تتسابق فيه الدول لإحياء محاصيلها الاستراتيجية وتوظيفها لتحريك عجلة الاقتصاد، يقف القطن اليمني – طويل التيلة ومتوسط التيلة – شاهدًا على مرحلة ذهبية صنعها المزارعون بأيديهم، ثم تلاشت ملامحها وسط الإهمال وتوقف الصناعات المرتبطة به. واليوم يعود السؤال الكبير إلى الواجهة:


هل نملك الإرادة لإحياء هذا المحصول من جديد؟


قبل نحو نصف قرن، وتحديدًا في العام 1977م تقريبًا، شهدت العاصمة عدن فعاليات المعرض الزراعي الشامل الرابع، ذلك الحدث الاستثنائي الذي جمع تحت سقفه مزارعي القطن من أبين ولحج، إلى جانب مزارع الدولة والجماعات الإنتاجية. وقدّم الجميع آنذاك عينات عالية الجودة من القطن متوسط وطويل التيلة، ناتجة عن زراعات محسّنة وتوصيات فنية قدّمتها محطة البحوث الزراعية بالكود.


وفي ذلك المعرض، لفت القطن الأبيض النظيف أنظار إحدى المؤسسات المحلية المتخصصة في الصناعات النسيجية، والتي كانت تبحث عن خامٍ زراعي بمواصفات ممتازة. وبعد تقييمٍ دقيق للعينات، جرى توقيع اتفاق رسمي لتطبيق تجربة تصنيع محلية باستخدام القطن متوسط التيلة — وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة.


كانت تلك اللحظة نقطة تحوّل تاريخية… فقد نجحت التجربة، وعبّر المزارعون حينها بعبارة خالدة:

لم نكن نبحث إلا عن فرصة… والمعرض منحنا الفرصة التي طال انتظارها.


وبعد هذه النجاحات، اتُّخذ القرار من قبل السلطة الحاكمة آنذاك بتشييد مصنع الغزل والنسيج في المنصورة – عدن. ظلّ المصنع عنوانًا لطموحٍ صناعي كبير، وعمل لسنوات كمشروعٍ ريادي يربط بين المزارع والمحلج والمصنع والسوق، خصوصًا في القطن متوسط التيلة، بينما كان القطن طويل التيلة يُصدَّر للخارج ليعود على الاقتصاد بالعملة الصعبة.


لكن هذا الصرح الصناعي توقّف بعد حرب 94 المشؤومة… أُغلقت أبوابه، وتعرّضت معداته للنهب والتدمير. وما يزال المبنى قائمًا إلى اليوم، خاويًا على عروشه… شاهدًا صامتًا على طموحٍ بدأ كبيرًا لكنه لم يكتمل، وعلى مشروعٍ وطني ضاع في زحمة الأحداث، ينتظر من يبعث فيه الحياة من جديد.


لقد كان محصول القطن لسنوات طويلة أحد أهم المحاصيل الرئيسية في دلتا أبين ولحج، ومحصولًا نقديًا تعتمد عليه آلاف الأسر الريفية. ومع تغيّر الظروف وتراجع الاهتمام المؤسسي، بدأ القطن يتلاشى تدريجيًا… حتى أصبحت قصته اليوم أقرب إلى حكاية من ألف ليلة وليلة.


لكن الحقيقة أن القطن لم يمت… بل ينتظر فقط من يمدّ إليه يدًا ليعود كما كان:

محصولًا واعدًا، وصناعةً ممكنة، وفرصةً اقتصادية كبرى.


رسالتي إلى وزارة الزراعة والجهات المعنية


لقد حان الوقت لإعادة النظر في مستقبل القطن وإحياء دوره النقدي والزراعي والصناعي في دلتا أبين ولحج عبر:

-- توفير البذور المحسّنة.

-- دعم الزراعة التعاقدية.

-- تحديث وتفعيل محلج القطن.

-- إنشاء مراكز تجميع وتصنيف.

-- إعادة تشغيل أو استثمار مصنع الغزل والنسيج.

-- تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في سلسلة القيمة للقطن.


إننا لا نكتب رواية للتسلية ولا نستعرض تاريخًا نادمًا… بل نرفع نداءً رسميًا يستند إلى واقع وتجارب صادقة؛ نداءً يطالب بإحياء محصول قادر على خلق فرص عمل وتنشيط الصناعات وتحقيق أرباح للمزارعين والدولة معًا.


يبقى السؤال…

هل سنشهد عودة القطن، أم سنظل نروي قصصًا جميلة… بلا نهاية؟


عبدالقادر السميطي

دلتا أبين