آخر تحديث :الخميس-23 أكتوبر 2025-11:53م
أخبار وتقارير


المحاصيل المستوردة.. حرب ناعمة على الزراعة اليمنية

المحاصيل المستوردة.. حرب ناعمة على الزراعة اليمنية
الخميس - 23 أكتوبر 2025 - 04:24 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

في الوقت الذي يواجه فيه المزارع اليمني صعوباتٍ كثيرةً بسبب تدهور البنية التحتية للري وغلاء المدخلات الزراعية وغياب الدعم، تبرز اليوم ظاهرة خطيرة تهدد وجود الزراعة الوطنية، تتمثل في غزو المحاصيل المستوردة للأسواق المحلية، والتي أصبحت تزاحم بل وتقصي المنتج المحلي من رفوف المتاجر ومعاصر الزيوت، في مشهدٍ لا يخلو من الغرابة والخطر على مستقبل الأمن الغذائي في اليمن.


السمسم.. فخر الدلتا في مهبّ الريح


منذ أكثر من عامين تقريبًا، بدأت تظهر آفات خطيرة وغير مألوفة في محصول السمسم، أحد أهم المحاصيل النقدية في دلتا أبين واليمن عمومًا.

ظهرت هذه الآفات فجأة وبشكل مقلق، وفي الوقت ذاته تدفقت إلى الأسواق كميات كبيرة من السمسم المستورد من إثيوبيا والسودان، لتغرق السوق المحلي وتنافس المنتج الوطني.

والمؤلم أن هذا السمسم المستورد أصبح يُباع في المعاصر والمحال دون تمييز، ما أدى إلى ضياع هوية السمسم اليمني الأصيل الذي كان يتميز بجودته العالية وسمعته العربية والعالمية.


استيراد المنتجات الزراعية يهدد الأمن الغذائي


المشكلة لا تتوقف عند السمسم فحسب، بل امتدت لتشمل البن، والفلفل الأحمر، والفول السوداني، والعسل، وحتى الدواجن والأغنام والأبقار وغيرها.

بل إن الأسواق شهدت في السنوات الأخيرة انتشار البصل الإيراني والطماطم الأردني، في مشهدٍ يؤكد أن المنتج المحلي أصبح بلا حماية أمام سيلٍ من المحاصيل المستوردة التي تدخل البلاد دون ضوابط كافية أو فحوصات دقيقة.

إن استمرار هذا الوضع لا يهدد المزارع فحسب، بل يشكّل ضربة مباشرة للأمن الغذائي الوطني، إذ يعتمد البلد على الخارج في محاصيل يمكن إنتاجها محليًا بجودة أفضل لو وُجدت الرعاية والاهتمام.


نباتات دخيلة تدمر الغطاء النباتي


إلى جانب الخطر الاقتصادي، يواجه الريف اليمني خطرًا بيئيًا متزايدًا نتيجة انتشار نباتات دخيلة مثل "السيسبان" في دلتا أبين وبعض مناطق اليمن، وأعشاب صفراء تشبه النرجس، غزت المراعي والمناطق الزراعية في المناطق الريفية مثل يافع ومناطق أخرى.

هذه النباتات لا تصلح لتغذية الماشية، بل تنافس النباتات المحلية على الماء والغذاء، والمصيبة الكبرى أنها لا تقبل أن يعيش نبات آخر بجانبها، ما أدى إلى تدهور المراعي الطبيعية واختلال التوازن البيئي، وهو ما ينعكس سلبًا على الثروة الحيوانية ومعيشة المجتمعات الريفية.


ضرورة التحرك والبحث العلمي


إن ما يجري اليوم يستدعي تحركًا عاجلًا من الجهات المختصة والباحثين الزراعيين لإجراء دراسات علمية دقيقة تكشف أسباب هذه الظواهر المقلقة، سواء من حيث انتشار الآفات الغريبة أو النباتات الدخيلة أو تدفق المحاصيل المستوردة التي تضرب المنتج المحلي في الصميم.

كما يجب على الحكومة ووزارة الزراعة وهيئة البحوث والإرشاد الزراعي تفعيل الرقابة الصارمة على الاستيراد الزراعي، وتشجيع المنتج الوطني بسياسات دعم واضحة تشمل التسويق، والتخزين، وتوفير الحماية الجمركية.

ولا ننسى أن منتجاتنا اليمنية – خصوصًا البصل – لم تحصل على فرصة للتصدير، ما أدى إلى خسارة المزارعين ملايين الريالات خلال العامين الماضيين.

أضف إلى ذلك أن المانجو اليمني الذي يُصدَّر إلى دول الخليج، يعود إلينا بعد أن يُعلَّب في زجاجات ويُباع بأسعار مرتفعة! وهذا دليل على أن بلادنا تسير بالبركة وبدون أي تخطيط.


آخر الكلام


إن حماية المنتج المحلي ليست خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل واجب وطني وسيادي يرتبط بالأمن الغذائي واستقرار المجتمع.

فحين تُغرق الأسواق بالمحاصيل المستوردة ويُهمَل المزارع اليمني، فإننا لا نخسر موسمًا زراعيًا فقط، بل نخسر جزءًا من استقلالنا الاقتصادي وهويتنا الزراعية.

وبالعربي الفصيح – والحليم تكفيه الإشارة – محاصيلنا تتلف... ومحاصيلهم تُباع علينا!

لقد آن الأوان لإطلاق مشروع وطني شامل لحماية المنتج المحلي، يعيد الثقة للقطاع الزراعي، ويعزز صمود المزارعين في وجه هذه الحرب الناعمة التي تستهدف قوت الناس ومستقبل الزراعة في اليمن.


عبدالقادر السميطي

دلتا أبين