كتب / نائف زين ناصر
في الوقت الذي يتطلع فيه أبناء المناطق المحررة إلى بصيص أمل في حياة كريمة ومستقرة بعد سنوات من الحرب، تنهار يومًا بعد يوم أحلامهم تحت وطأة الفشل الحكومي، والفساد، وانعدام الحد الأدنى من مقومات الحياة.
الكهرباء مقطوعة بشكل كامل، والمياه ما بين مقطوعة تمامًا أو شحيحة، والرواتب ضائعة منذ أربعة أو خمسة أشهر، والخدمات تنهار أمام أعين الناس الذين أصبحوا أسرى للمعاناة اليومية في أبسط حقوقهم.
المواطن بات يدفع ثمنًا باهظًا لفشل الطبقة الحاكمة التي أثبتت عجزها المطلق عن تحمّل المسؤولية.
حكومة بن بريك تحوّلت إلى كابوس يثقل كاهل الناس؛ حكومة بلا رؤية، بلا حلول، وبلا أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه الناس الذين كانوا ينتظرون منها إنقاذًا، لا مزيدًا من الغرق.
بدلًا من مواجهة التحديات، غرقت هذه الحكومة في دوامة المحاصصة والتناحر والفساد، وتركت المواطن يصارع الجوع، وارتفاع الأسعار، وانقطاع الخدمات، دون رحمة أو اعتبار.
وفي الطرف الآخر، لا يزال مجلس القيادة الرئاسي غارقًا في نومٍ عميق، وكأنه غير معني بما يحدث.
لا قرارات، لا حضور، لا موقف واضح… فقط صمت مطبق وانفصال تام عن الواقع، وكأن الأمر لا يعنيه، سوى بعض المنشورات في فيسبوك!
كيف يمكن لمجلس كهذا أن يمثل إرادة الناس أو يحقق أي إنجاز، بينما هو غائب عن مشهد الانهيار المتسارع الذي يعيشه المواطن يوميًا؟
والأخطر من ذلك، أن هذا الفشل لا يظل حبيس حدود المناطق المحررة، بل يتحوّل إلى سلاح بيد العدو.
كل إخفاق حكومي، كل لحظة عجز وصمت، هي مكسب صافٍ للحوثي، الذي يستغل هذا الواقع ليستفيد منه بطريقة أو بأخرى.
ورغم أن الجميع يعرف ممارساته القمعية والإجرامية، إلا أنه – حتى في أضعف حالاته – سيعمل على محاولة التعبئة والتجنيد لكل من يستطيع الوصول إليهم، مستغلًا الفراغ والخواء في قيادة ومؤسسات المناطق المحررة.
وحين يعمّ الفشل مناطق يُفترض أنها "محررة"، فإن الصورة تُشوّه، والكفّة تميل، والثقة تتآكل.
وفي ظل هذا الانهيار، أين هو دور المجلس الانتقالي الجنوبي؟
أين المواقف التي يُفترض به اتخاذها؟
نحن نثق بأن المجلس الانتقالي لن يقبل بما يحدث، وأنه سيكون في صف الناس، لا في صف الصمت، ولا في خانة المتفرجين.
وهو أدرى الناس بما عليه القيام به، بعد شراكة لسنوات أثبتت – لا فشلها فقط – بل أنها أصبحت شراكة ضد المواطنين واحتياجاتهم.
يا أيها المجلس الانتقالي الجنوبي، الناس في الجنوب ينتظرون تحرّكًا حقيقيًا، لا بيانات مكرّرة، ولا خطابات إنشائية.
ولا يكفي أن تكون ضد الفشل "نظريًا"، بل يجب أن تكون ضده "عمليًا" وبقوة، بعدما وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم.
من المستفيد من هذا المشهد؟ من الرابح من تحويل معاناة الناس إلى فرصة للخصوم والمتربصين؟
المؤكد أن هذا الانهيار يخدم كل من يعادي فكرة الدولة، وكل من يتمنى أن تنهار المناطق المحررة وتفقد ما تبقى لها من تماسك.
الفشل اليوم ليس مجرد عجز إداري، بل هو عجز سياسي كامل.
الشعب لن يصبر طويلًا.
الناس تحمّلوا الحرب، والجوع، والقصف، والتشريد، لكنهم لن يتحمّلوا أن تستمر المعاناة في ظل حكومة تدّعي تمثيلهم، بينما هي عاجزة عن حمايتهم أو حتى خدمتهم.
الصمت الشعبي بدأ يتحوّل إلى غليان، والسكوت إلى احتجاج.
وإذا لم يتحرّك المسؤولون فورًا، فسينهار كل شيء، ولن يرحمهم التاريخ، ولا الناس.
ما يحدث اليوم كارثة بكل المقاييس.
ومن يتهاون مع وجع الناس اليوم، سيسقط غدًا في عاصفة الغضب الشعبي، حين لا تنفع المناصب، ولا تنقذهم الشعارات، ولا تحميهم حساباتهم الخاصة.
كفى فشلًا، كفى صمتًا، كفى تجاهلًا لمعاناة الناس.