آخر تحديث :الجمعة-10 أكتوبر 2025-07:32م
أخبار وتقارير


دلتا أبين حين تنطق الأرض بالقطن والقمح

دلتا أبين حين تنطق الأرض بالقطن والقمح
الجمعة - 10 أكتوبر 2025 - 05:08 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

بين ماضي المجد الزراعي وحاضر التحديات، تظل دلتا أبين شاهدًا حيًّا على عبقرية الأرض اليمنية وقدرتها على العطاء المتجدّد. فعلى الرغم من تراجع الزراعة وغياب السياسات الداعمة، ما زالت دلتا أبين تقدّم نموذجًا مضيئًا يبعث الأمل، ويؤكد أن الحلول تبدأ من الميدان، من حيث يقف المزارع في مواجهة الشمس والطين والإرادة.


دلتا الحياة.. الأرض التي تتحدث


في يومٍ ميداني وإعلامي، وأمام عدسات الصحافة المحلية، نطقت الأرض بما عجزت عنه الكلمات. فدلتا أبين، تلك الرقعة الخضراء التي طالها الإهمال والنسيان، أبت إلا أن تُعلن مجددًا أنها ما زالت تنبض بالحياة، وتملك من العطاء ما يعيد مجد الزراعة اليمنية.

كان المشهد مؤثرًا إلى حدّ الدهشة:

حقول قطنٍ طويل التيلة – صنف المعلم 2000 – تلمع بياضًا تحت شمس أبين، وحقول قمحٍ واعدةٍ بالخير والغلال. إنها لوحة أملٍ رسمها المزارعون بأيديهم وعرقهم، لتقول إن دلتا أبين قادرة على النهوض متى ما وجدت الرعاية والاهتمام.


تجربة عامر المعسل.. حكاية القطن من أرض الفيش


في قلب هذا النجاح يبرز اسم المزارع عامر المعسل الذي زرع في موسم 2019 نحو 25 فدانًا من القطن و5 فدادين من القمح، معتمدًا على السماد العضوي ومتجنبًا استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية.

جاءت النتيجة مذهلة: نباتات قوية، حمل كلٌّ منها ما يقارب 450 لوزة وزهرة، حتى بدت وهي "ساجدة لله من كثرة الحمل"، كما وصفها المزارعون إعجابًا بإنتاجيتها العالية التي أعادت الثقة بالأرض والمزارع معًا.


في ذلك الموسم، شهدت منطقة الفيش في رأس دلتا أبين يومًا إعلاميًا مميزًا لاستعراض نتائج حقول القطن الناجحة، حيث بلغت إنتاجية القطن نحو 40 ألف رطل من القطن طويل التيلة عالي الجودة.

وكانت المناسبة حدثًا لافتًا في الذاكرة الزراعية لأبين، إذ شهدت مبادرة جماهيرية واسعة لجني المحصول، شارك فيها محافظ محافظة أبين اللواء أبوبكر حسين وعدد من موظفي الإرشاد الزراعي والمتطوعين ومحبي المبادرات الجماهيرية في موسم جني القطن.


لقد كان موسم القطن لعام 2019 موسم خيرٍ وعطاءٍ لدلتا أبين، واستمرت زراعته حتى عام 2022 قبل أن تتعثر لاحقًا بفعل ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم توفر أسعار عادلة تشجع المزارعين على الاستمرار.


دروس من أرض رأس دلتا أبين


من حقول دلتا أبين خرجت دروسٌ ثمينة ورسائل واضحة، أهمها:


1. الزراعة العضوية قادرة على العطاء دون الإضرار بالبيئة.



2. المتابعة العلمية للتجارب الميدانية كفيلة باكتشاف حلولٍ محلية فعّالة.



3. إرادة مزارعٍ واحد يمكن أن تصنع فرقًا في مصير منطقةٍ بأكملها.



4. نجاح زراعة القمح في منطقة الفيش بواسطة المزارع عامر المعسل مثال يحتذى به.




القطن والقمح.. عنوان الأمن والكرامة


القطن في أبين ليس مجرد محصولٍ نقدي، بل هو رمزٌ لهويةٍ اقتصاديةٍ متجذّرة، والقمح ليس فقط غذاءً يوميًا، بل صمام أمانٍ للأمن الغذائي الوطني.

إن دعم هذين المحصولين هو دعمٌ للاستقرار الاجتماعي، وتشجيعٌ للاقتصاد المحلي، واستثمارٌ في الكرامة الوطنية.


نداء إلى صنّاع القرار


نجاح دلتا أبين لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، فهو دليل عملي على أن الزراعة في بلادنا قادرة على النهوض متى ما توفرت الإرادة والسياسات العادلة.

ولذلك فإن الواجب اليوم يتمثل في:


1. دعم المزارعين بتوفير البذور المحسّنة والأسمدة العضوية.



2. وضع تسعيرة عادلة تضمن استمرارية المزارع وتحفّزه على الإنتاج.



3. تفعيل دور مراكز البحوث والإرشاد الزراعي لنشر التجارب الناجحة في مختلف المحاصيل.



4. تشجيع الزراعة المستدامة وتقليل الاعتماد على الكيماويات.




الأرض تتكلم


دلتا أبين ليست أرضًا عادية، بل ذاكرة وطنٍ ومصدر حياةٍ لأهله.

نجاح اليوم ليس نهاية القصة، بل بدايتها الجديدة.

فلنرفع صوتنا جميعًا من أجل سياسةٍ زراعيةٍ عادلة ومنصفة، لأن زراعة القطن والقمح ليست مجرد عملٍ اقتصادي، بل قضية وطنية تمسّ الأمن الغذائي والكرامة الإنسانية.


هنيئًا لأبين بمزارعيها الأوفياء، وهنيئًا لكل من يجعل من حفنة ترابٍ قصة نجاحٍ وأملٍ وحياة.


عبدالقادر السميطي

دلتا أبين