بقلم: محفوظ كرامة
في بلدٍ تتآكل فيه القدرة الشرائية للمواطن، وتغيب فيه أبسط مقومات الحياة الكريمة، لا يزال أكثر من خمسة آلاف فرد يتقاضون رواتبهم بالدولار وهم يعيشون خارج اليمن، دون أي مساهمة فعلية في خدمة الوطن أو أداء مهام وظيفية. هذا الواقع الصادم كشف عنه الصحفي البارز فتحي بن لزرق، في منشورٍ جريء طالب فيه بوقف ما يُعرف بـ"الإعاشة الدولارية" التي تُصرف شهريًا لهؤلاء المسؤولين، في وقتٍ يعاني فيه الشعب من الجوع وانهيار الخدمات.
بن لزرق لم يكتفِ بالتوصيف، بل خاطبهم بلهجة ساخرة: "من يريد راتبًا، فليعد إلى الوطن ويستلمه بالريال اليمني، وفقًا لسلم الأجور والمرتبات... ولو مش مخارج معكم، الباب يفوت جمل!"، في إشارة إلى أن من لا يستطيع العودة لخدمة وطنه لا يستحق أن يُثقل كاهله بمزيد من الاستنزاف.
عشر سنوات مرت، ولم يستفد الشعب من هؤلاء سوى دعم مطاعم الرياض وكافيهات القاهرة واستنبول، بينما كل دولار يُصرف دون مقابل يُعد جريمة مكتملة الأركان بحق شعبٍ لا يجد قوت يومه.
ومن هذا المنطلق، أضم صوتي إلى صوت الأستاذ فتحي بن لزرق، وأوجه دعوة صريحة إلى رئيس الوزراء ووزير الخارجية، للنظر في واقع السفارات والبعثات الدبلوماسية المنتشرة في أصقاع العالم، والتي تُصرف عليها ملايين الدولارات دون أن يكون لها أي دور فعلي في ظل توقف التنمية داخل البلاد. إن تقليص أعداد هذه الطواقم بات ضرورة وطنية، لا ترفًا إداريًا.
نحن اليوم أمام لحظة إصلاح حقيقية، تقودها حكومة بن بريك، ويجب أن تكون هذه الخطوة جزءًا من مسارها. فالإصلاح لا يكتمل إلا بكسر الامتيازات غير المبررة، وإعادة توجيه الموارد نحو الداخل، حيث الجوع والبطالة والاحتياج الحقيقي.
إنها دعوة للاتحاد، لرفع الصوت، ولإعادة الاعتبار لأولويات الوطن. فاليمن لا يحتاج إلى مسؤولين في المنفى، بل إلى رجالٍ في الميدان.