الكاتب: عبدالرقيب السنيدي
المتابعُ للمشهد الأبينيّ، وللجنوب والمنطقة برمّتها، يلمسُ بعينِ الفاجعةِ ما يدورُ في هذه المحافظةِ العريقة، التي بذلتْ من الغالي والنفيسِ تضحياتٍ جساماً في منعطفاتِ الثورةِ حتى قبلَ الاستقلالِ الوطنيِّ المجيد. ومع هذا، ما زالت أبينُ تغرّدُ خارج السربِ بُكرةً وأصيلاً! سلطاتٌ غائبةٌ عن مسرحِ الأحداث، وجباياتٌ كاسحةٌ تُفرضُ بلا رادع، وكهرباءٌ على مدار الساعةِ تُسرَّبُ عبر "خطٍّ ساخنٍ" لأكثرَ من 82 بئراً ارتوازياً لكبار المزارعين في الدلتا، ولصالحِ محطاتِ المحروقات، والمطاعم، ومصانع المياه المعدنية، ومناطق مجاورة لمياه عدن الكبرى، ومنازل كبار المسؤولين! ومع كلِّ هذا الوضعِ الشاذ، لم تلتزمْ تلك المنشآتُ والتجارُ بتسعيرةِ تحسن العملةِ التي أقرّتها الدولةُ لتخفيفِ كابوسِ الغلاءِ عن كاهلِ المواطنِ البئيس. فإلى متى هذا الصمت؟!
لقد انتابني انزعاجٌ بالغٌ وأنا أتجولُ بين محالٍّ تجاريةٍ ومحطاتِ محروقاتٍ ومصانعَ للمياه المعدنية: لم أرَ التزاماً بالأسعارِ المعتمدةِ من شركةِ النفطِ والغرفةِ التجارية، إلا بفارقٍ زيادة في كل مادة من المواد الأساسيةِ والوقود! أمّا قطاعُ المواصلاتِ بين المدنِ والمحافظات، فما زالَ حتى اللحظةِ يتفلّتُ من أيِّ تعميمٍ لأسعارِ الأجرةِ صادرٍ عن وزارةِ النقلِ والنقابات. والأمرُ الأشدُّ إيلاماً هو رفضُ مالكي مصانعِ المياهِ المعدنيةِ في دلتا أبينَ الالتزامَ بتسعيرةِ الماء، وهو أبسطُ دليلٍ على الاستغلالِ الفاحشِ بعد تحسُّنِ العملةِ وانحسارِ ريالِ الـ"425"!
فأين هي السلطاتُ المحليةُ من هذا المشهدِ الكارثي؟ أين اللقاءاتُ الطارئةُ على أعلى مستوى في المحافظةِ لمتابعةِ تطبيقِ التسعيرةِ الجديدةِ وإلزامِ المتلاعبينَ والمحتكرين؟ أين المتابعةُ الحثيثةُ للقراراتِ الوزاريةِ الراميةِ لإصلاحِ الاقتصادِ المنكوب؟من يتحمّلُ وزرَ هذه الإخفاقاتِ المتتاليةِ والتجاوزاتِ الصارخةِ والاختلالاتِ المريعةِ في الرقابةِ والتنفيذ؟ ومن يوقفُ نزيفَ الجباياتِ التي تشيبُ منها الولدان، والابتزازاتِ التي تقشعرُّ منها الأبدان؟
أبينُ، المحافظةُ المنكوبةُ التي تعرّضت لمؤامراتٍ دنيئةٍ ودمارٍ شاملٍ، تُبادُ اليومَ على مرأى الجميع! دُمّرت بنيتُها التحتيةُ، وأُهلكت مصانعُها الإنتاجيةُ والزراعيةُ، وتحوّلت من "سلةِ الجنوبِ" في زمنٍ جميلٍ مضى، إلى أرضٍ يبابٍ تئنُّ تحت وطأةِ الإهمالِ المتعمّدِ في الصحةِ والتعليمِ والخدماتِ والطرقاتِ – والأمرُ أدهى وأمرُّ! ليست منكوبةً فحسب، بل تغردُ وحيدةً خارج سربِ الجنوب، محاصرةً بتآمرِ أبنائها! فهل تنهضُ الغيرةُ في نفوسِ الأعلامِ الشريفةِ والرجالِ الغيورينَ الذين يحملون اسمَ أبينَ، ويُفيقونَ من سُباتِهم العميقِ لإنقاذِ ما تبقّى من كرامتِها؟ أم ستظلُّ أبينُ رهينةً لسياساتِ التبعيةِ والانبطاحِ والانفلاتِ، وقِبلَةً للمشاريعِ التأمرية؟
فهل تتحرّكُ السلطاتُ السياسيةُ العليا؟! هل تُطلقُ كلمةَ الحقِّ والفصلِ لانتشالِ أبينَ من براثنِ هواميرِ الفسادِ والتلاعبِ؟ هذه المحافظةُ التي كانت – ولا تزال – خاصرةَ الجنوبِ الحيوية. هل تُرفعُ عنها جباياتُ الظلامِ والابتزازاتُ غيرُ الشرعية؟ هل تُحاسَبُ عصاباتُ السلبِ والنهبِ؟ هل يُوقفُ تشغيلُ المحطاتِ والآبارِ بالتيارِ الساخنِ على حسابِ دمِ المواطنِ المسفوك؟ هل تُثبَّتُ الأسعارُ وفقَ معاييرَ عادلةٍ ترتكزُ على التسعيرةِ الرسميةِ، ويُحاسَبُ المخلّون؟ هل نرى أبينَ، في القريبِ العاجل، حرةً كريمةً، تعودُ إلى حضنِ أبنائها البررةِ، لينعموا بخيراتِها وثرواتِها؟ أم ستظلُّ أسيرةً لتلك الهواميرِ، وكأنَّ نجاتَها ضربٌ من المحال؟!