حاوره/منير العمري:
في ظل واقع تربوي معقد، تقف مديرية سرار-يافع بمحافظة أبين أمام تحديات جسيمة تهدد استقرار العملية التعليمية واستمرارها، بدءًا بالنقص الحاد في الكادر التدريسي، والكتاب المدرسي والوسائل التعليمية، مرورًا بتدني الرواتب التي لا تسمن ولا تغني من جوع وتأخر صرفها، وانتهاءً بموجة الجفاف وتفاقم أزمة المياه التي أرغمت مئات الطلاب وأسرهم على النزوح خارج المنطقة. ورغم هذا المشهد القاتم يظل بصيص الأمل متجسدًا في إرادة طلاب ومعلمين يواصلون النضال في صفوف تفتقر لأبسط مقومات التعليم، وللوقوف على صورة الواقع كما هي، التقت "الأيام" الأخ فوزي محمد علي المُخيّري، مدير مكتب التربية والتعليم بالمديرية في حوار شفاف ناقشنا خلاله التحديات والجهود المبذولة، والمطالب العاجلة لإنقاذ التعليم من حافة الانهيار،وإليكم التفاصيل:
* كيف تقيّمون واقع التعليم في مديرية سرار في ظل الظروف الراهنة؟
- الوضع التعليمي في مديرية سرار يمر بمرحلة صعبة للغاية، نتيجة النقص الحاد في المعلمين، وتدني رواتب المعلمين القائمين على رأس العمل. فالمديرية تعاني منذ فترة طويلة من نقص في الكادر التعليمي الأساسي المؤهل، وذلك بسبب تقاعد عدد كبير من المعلمين، ووفاة البعض، إلى جانب نقل أعداد ليست بالقليلة إلى مديريات أخرى كخنفر وزنجبار خلال السنوات الماضية.ورغم الصعوبات الكثيرة، فإن التعليم في سرار لا يزال يحتفظ بمكانة متقدمة، بل ويتفوق على بعض المديريات التي تتمتع بوفرة في الكادر التعليمي. إذ يحقق طلاب مديرية سرار نتائج متميزة سنويًا في امتحانات الثانوية العامة، كما يحصدون مراكز متقدمة في المسابقات العلمية على مستوى المحافظة، بل ويتألقون في المحافل العربية والدولية. هذه النجاحات المتواصلة لم تأتِ من فراغ، بل تعكس انتظام العملية التعليمية، وتعاون الأهالي، إلى جانب المبادرات الخيّرة التي تهدف إلى دعم المعلمين الأساسيين، لضمان استمرار التعليم في المديرية رغم شح الإمكانيات.
* ما هي التحضيرات والإجراءات التي اتخذها مكتب التربية في المديرية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي الجديد؟
نحن دعينا إلى اجتماع موسّع عُقد الأسبوع الماضي مع مدير عام المديرية، الدكتور بسام الطالبي، وبمشاركة قيادة المجلس الانتقالي ممثلة بالأستاذ علي ناصر الحامدي، وبحضور مدراء إدارات المدارس في المديرية. وقد خُصص الاجتماع لمناقشة واقع العملية التعليمية، حيث استعرضنا بشكل صريح وشفاف ما يواجهه المعلم الأساسي من تحديات متراكمة، وفي مقدمتها الظروف المعيشية الصعبة التي تفاقمت بفعل موجة الغلاء، إلى جانب النقص الواضح في الكادر التدريسي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على استقرار وانتظام الدراسة. وفي هذا السياق، تم التواصل مع مدير عام مكتب التربية والتعليم بمحافظة أبين، الدكتور وضاح المحوري، الذي نثمّن دعمه المتواصل، إلى جانب جهود الأهالي والسلطة المحلية، وقد أكد بدوره وجود معالجات قريبة لقضية المعلمين المتعاقدين، مع الإشارة إلى أن مديرية سرار ستحظى بأولوية خاصة، نظرًا لوضعها الاستثنائي الذي تدركه قيادة المحافظة جيدًا. وبناءً على ما تم التوصل إليه من تفاهمات وضمانات، فقد تقرر فتح المدارس في مديرية سرار في موعدها المحدد مطلع شهر سبتمبر المقبل، بإذن الله تعالى، وذلك انطلاقًا من حرصنا جميعاً على عدم تعطيل العام الدراسي وضمان استمرارية التعليم. كما أبدى مدير عام المديرية التزامه الصريح بدعم المعلمين، وتعهد بالعمل الجاد لمعالجة مختلف الإشكالات التعليمية، بالتعاون مع مجالس الآباء والسلطة المحلية بالمحافظة.
* ما أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه العملية التعليمية في المديرية اليوم؟
"تواجه العملية التعليمية في المديرية عددًا من الصعوبات والتحديات المتراكمة، والتي نلخصها فيما يلي: أبرز هذه التحديات هو النقص الحاد في الكادر التعليمي المؤهل في مختلف مدارس المديرية، حيث تكاد بعض المدارس تخلو من المعلمين الأساسيين، الأمر الذي يشكل تهديدًا مباشرًا لسير العملية التعليمية واستقرارها.
كما يعاني المعلمون الأساسيون من تدني الرواتب وتأخر صرفها، في ظل الارتفاع الكبير في تكاليف المعيشة والانهيار المستمر لقيمة العملة الوطنية، وهو ما أدى إلى تدهور أوضاعهم المعيشية، وانعكس سلبًا على أدائهم المهني. ومن التحديات أيضًا، نقص الكتاب المدرسي والوسائل التعليمية المساندة، الأمر الذي دفع أولياء الأمور إلى شراء ملازم تعليمية بديلة لأبنائهم، ما ضاعف الأعباء المالية على الأسر، وترك تأثيرًا ملموسًا على جودة التعليم.
*وهل ثمة مبادرات أو تدخلات لحلحلة هذا الوضع الكارثي؟
"كما ذكرت سابقا، تلقينا وعودًا من مدير عام مكتب التربية والتعليم في محافظة أبين، الدكتور وضاح المحوري، باستمرار الدعم المقدم من منظمة اليونسيف، التي تتولى تغطية الجزء الأكبر من المعلمين المتعاقدين في مدارس المديرية أو البحث عن خيارات بديلة بالتنسيق مع قيادة السلطة المحلية في المحافظة ممثلة بالأخ محافظ المحافظة، اللواء أبو بكر حسين سالم. أما فيما يتعلق بالمعلمين الأساسيين، فسيتم عقد لقاء للسلطة المحلية في المديرية مع مجالس الآباء لوضع حلول مناسبة. ونأمل أن تسفر هذه الجهود عن معالجات عاجلة تضمن استمرار العملية التعليمية في مدارس المديرية دون انقطاع.
* أشرتم إلى وجود عجز كبير في الكادر التدريسي.. ما أبرز التخصصات التي تفتقر إليها مدارس المديرية؟
"نعم، نعاني من نقص كبير في كثير من التخصصات التعليمية أهما: اللغة العربية، الكيمياء، الأحياء، الفيزياء، والرياضيات. في الواقع، يمكن القول إن جميع مدارس المديرية تواجه عجزاً في معظم التخصصات، مما يشكل تحديًا حقيقيًا أمام تحسين واقع التعليم.
* ما مدى تأثير موجة الجفاف على استقرار العملية التعليمية؟
"لقد كان ومازال لحالة الجفاف التي تضرب المديرية تأثير بالغ على التعليم، إذ أدت أزمة شح المياه وغياب المصادر البديلة إلى نزوح عدد كبير من الأسر. خلال العام الماضي، تم نقل ما يقارب 150 طالبًا وطالبة من مختلف مدارس المديرية إلى مناطق أخرى، أبرزها خنفر ورصد. وفي هذا العام، أحيلت ملفات نحو 80 طالبًا وطالبة إلى لجان الاختبارات لاستكمال إجراءات انقلهم، وهناك مؤشرات على مغادرة عدد إضافي من الطلاب خلال الفترة القادمة. هذه الأوضاع تشكل ضغطًا كبيرًا على العملية التعليمية وتستدعي تدخلًا عاجلًا من الجهات المعنية.
* ما الذي تحتاجه مديرية سرار من الجهات الحكومية والمنظمات لدعم استقرار التعليم فيها؟
نؤكد في مديرية سرار على أهمية التفات الجهات الحكومية لما تبقى من المعلمين الفعليين في مدارسنا، والعمل الجاد على تحسين أوضاعهم المعيشية، وذلك من خلال زيادة أجورهم أسوة بمنتسبي القطاع العسكري، ووضع حلول عاجلة تضمن استمرارهم في أداء رسالتهم التربوية. كما نطالب بالإسراع في عملية التوظيف لسد العجز الحاصل في الكادر التدريسي، الذي بات يؤثر بشكل مباشر على سير العملية التعليمية. كذلك نوجه دعوتنا للجهات المعنية بضرورة توجيه المنظمات الداعمة للتركيز على قطاع التعليم، من خلال دعم المعلمين إما بالسلال الغذائية أو بتقديم مساعدات مالية نقدية، بما يساهم في تعزيز الاستقرار التعليمي في المديرية.
* ما رسالتكم لأولياء الأمور وللمجتمع المحلي بشأن دعم التعليم واستقراره؟
نهيب بأولياء الأمور والمغتربين من أبناء المديرية مواصلة دعمهم لمجالس الآباء في المدارس، كما كان عليه الحال في السنوات الماضية. إن المساهمة في تغذية صناديق المدارس بالمبالغ المالية أمر بالغ الأهمية لضمان استمرار المعلمين الأساسيين في أداء مهامهم. وكل مدرسة في المديرية لديها صندوق خاص تحت إشراف إدارة المدرسة ومجلس الآباء. وبهذه المناسبة، أتوجه بجزيل الشكر والعرفان لكل من ساهم في دعم هذه الصناديق خلال الأعوام الماضية، سواء من الأهالي أو المغتربين أو أهل الخير.
* هل هناك سؤال كنتم تودون طرحه في هذا اللقاء ولم يتم التطرق إليه؟
في الحقيقة، تناولتم معظم الجوانب المتعلقة بواقع التعليم في مديريتنا. وأغتنم هذه الفرصة لأتقدم بالشكر الجزيل لصحيفة "الأيام" على اهتمامها ومبادرتها الكريمة بزيارة مكتب التربية والتعليم في سرار، وحرصها على نقل هموم ومعاناة القطاع التربوي عن قرب.
* هل من كلمة أخيرة تودون توجيهها في ختام هذا اللقاء؟
نتوجه برسالة مباشرة إلى الأخ محافظ محافظة أبين، اللواء أبوبكر حسين سالم، وإلى مدير عام مكتب التربية والتعليم بالمحافظة، الدكتور وضاح المحوري، بضرورة إيلاء مديرية سرار مزيدًا من الاهتمام، والنظر بعين الاعتبار إلى الصعوبات التي يعانيها قطاع التعليم فيها. كما نأمل بتوجيه المنظمات الداعمة نحو توفير دعم فعلي ومستدام لقطاع التعليم في المديرية، بما يسهم في استقراره واستمراريته.
وفي ختام هذا الحوار، يظل صوت مدير تربية سرار بمثابة صرخة استغاثة تُطلق من عمق المعاناة، تعكس واقعًا ميدانيًا لا يحتمل مزيدًا من التجاهل أو التأجيل. فبين كادر تعليمي يتناقص، وطلاب يتنقلون قسرًا بفعل الجفاف، ومدارس تفتقر لأبسط الإمكانيات، تبدو الحاجة ملحة لتكاتف الجميع – سلطات، منظمات، وأهالي – من أجل إنقاذ التعليم في سرار، قبل أن تتحول أزمة اليوم إلى كارثة لا تُعالج بالغد.
منقول من صحيفة الأيام
عدد الأحد 3اغسطس 2025م