بقلم: م/ عبدالقادر السميطي
دعونا نترمسس قليلًا لا مع فتاة الحلم أو معشوقة الروايات، بل مع ملكة جمال النباتات... مع شجرة البن. هي ليست مجرد شجرة، بل أنثى خُلقت من فتنة الطبيعة وتربت في أحضان المطر، وكأنها خُلقت لتُعشق، لتُدلل، لتكون ملهمة كل شاعر وملاذ كل قلب متيم.
شجرة البن... حين تراها لأول مرة، ستشعر وكأنك تلتقي بحبيبة ترتدي فستان زفافها، مكللة بحبات الكرز الحمراء كالعقيق، متدلية على الأغصان الخضراء النضرة. سبحان من أبدع تصويرها، جمال آسر وأناقة ربانية جمعت بين الخجل والدلال، بين الحياء والفتنة.
ما أجملها وهي تبتسم للعاشقين من المزارعين، تمنحهم من صبرها، من عطرها، من حكاياتها. هي الشجرة التي لا تُزهر إلا بالحب، ولا تثمر إلا للوفيين.
أنظر إليها... رشاقة في القوام، دلع في الملامح، ورقيقه في المشاعر، لا يشبهه إلا خجل العاشقات في قصائد العاشقين.
شجرة البن تلك اليتيمة المدللة... لم تطرق أبواب التكنولوجيا، ولم تمتد إليها أيادي خبيرة، ولم تدرسها المعاهد كما ينبغي، وكأنها تقول: دعوني كما أنا... بسيطة في شكلي، عظيمة في أثري، وحلوه في مذاقي.
يتيمة... نعم، لكنها تبنتها قلوب الرجال الأوفياء، أولئك الذين عرفوا قيمتها قبل أن تسكنها الموضات الزراعية. رجال من طين الأرض وروح البن، يسقونها بعين الرضا، ويقطفون منها حبًا ورزقًا، وقهوة تسافر إلى أصقاع الارض، حاملةً في رائحتها عبق الأوطان وصدق القلوب ودفئ المشاعر.
كل من يحب شجرة البن... هو شاعر وإن لم يكتب، هو عاشق وإن لم يعترف. هي ليست زراعة فقط، بل حالة عشق... وأي عشق هذا الذي لا يكتمل إلا بكوب قهوةٍ من حباتها؟
هنيئًا لكل مزارع بُنٍ في يافع، في سباح، في العياسئ، في حطيب، في قطي، في حراز، في برع، في آنس، في خولان، وفي كل بقعة أحبّت البن كما يحب العاشق معشوقته.
إن أردتَ أن تعرف الحب الحقيقي... اذهب إلى مزرعة بن، واجلس تحت ظلها، وتحدث معها، واسقها من اهتمامك. ستجد أنها ترد لك العشق ثمرًا وسكينةً وقهوةً تُسكن بها حواسك كلها.
فهل نحب شجرة البن كما تستحق؟ وهل نحميها كما نحمي قلوبنا؟ فلنكن أوفياء لهذا الكنز... ولتكن حكايتنا معها قصة عشق لا ينتهي.