كتب/د.علي صالح الخلاقي :
في لحظات النضال الوطني، حيث تُضيِّق الأنظمة القمعية الخناق على حرية التعبير، وحين تصبح الكلمة الصادقة محفوفة بالخطر، يضطر الكثير من الكتّاب والمناضلين إلى التخفي وراء أسماء مستعارة، يطلقون من خلالها صوتهم الحر دون أن تطالهم يد القمع أو الملاحقة. هذا الأسلوب لم يكن مجرد حيلة للهروب، بل كان شكلاً من أشكال المقاومة الصامتة، حيث يتحول الاسم الوهمي إلى لافتة نضالية وصوت صارخ في وجه الظلم والاضطهاد.
وقد عرف جنوبنا الحبيب خلال مراحل النضال ضد الاحتلال، وفي غمرة النضال السلمي لشعبنا، عدداً من الكتّاب والشعراء الذين لجأوا إلى هذه الطريقة ليظل صوتهم حاضراً في الساحة دون أن يكونوا عرضة للملاحقات أو القمع أو السجن. ومن بين هؤلاء الشاعر أحمد حسين بن عسكر، أحد الأصوات الشعرية البارزة التي وقفت مع قضية شعبنا الجنوبي، وعبّرت عن آماله وتطلعاته في الحرية والخلاص من الاحتلال واستعادة دولته المنشودة.
وفي عام 2009م ، في أوج الحراك السلمي الجنوبي، وعندما كانت الضالع تمثل شعلة الثورة السلمية، اختار أحمد حسين بن عسكر أن ينضم أشعاره حينها تحت اسم " قاسم علي ناشر أبو ريم الضالعي"، تيمّناً ببطولات أبناء الضالع وتضحياتهم ضد الاحتلال، وليبقى متخفياً عن أعين الملاحقة. ولم يكن ذلك الاسم مجرد توقيع شعري، بل كان امتداداً لصوت شعبنا في ميادين النضال، وأداة للتعبير الحر الذي يلهب المشاعر ويحرك الساحات.
وتحت هذا الاسم الوهمي خاض الشاعر أحمدحسين بن عسكر سجالاً شعرياً حماسياً مع الشاعر المعروف الشيخ أحمد عبد ربه المعمري، في منازلة شعرية حملت الكثير من مضامين الحراك، وروح التحدي، والتشديد على الموقف الوطني الصلب. وقد كشف مؤخراً الفنان المبدع علي صالح محمد اليافعي،عن حقيقة الاسم الوهمي (أبو ريم الضالعي)، وهو الذي غنّى الكثير من القصائد بصوته العذب، فانتشرت بين الناس وأعادت لذاكرتهم أمجاد المرحلة وروحها.
وشخصياً كنت قد علمت ذلك من صديقي الشاعر أحمد حسين بن عسكر، من أنه صاحب قصائد "أبو ريم الضالعي" التي سرت بين الناس دون أن يُعرف صاحبها الحقيقي، حتى كشف النقاب عنها على لسان الصديق الفنان المبدع علي صالح يافعي. ومما لا شك فيه أن لجوء بن عسكر إلى التخفي لم يكن ناتجاً عن تردد، بل عن رغبة في استمرار النضال بصوت مسموع، لا يعرضه للخطر.
إن ما فعله الشاعر أحمد حسين بن عسكر ليس جديداً على من حملوا الكلمة سلاحاً في وجه الطغيان، فقد سبق أن فعلها كبار الشعراء والمناضلين في مختلف مراحل النضال العربي والعالمي، حيث ارتبط الاسم المستعار بحرية التعبير وصدق الموقف، وصار رمزاً من رموز المقاومة الأدبية.
وها نحن اليوم، بعد أن سقطت الأقنعة وكُشف الغطاء، نعرف الحقيقة الكاملة، ونحيي هذا الصوت الصادق الذي صدح باسم مستعار، من خلف الستار، وكان لقصائده صدى واسعاً في وجدان الناس.
تحية تقدير واعتزاز للشاعر أحمد حسين بن عسكر، ولشعره الذي لم يهادن، وصوته الذي لم يخفت، ويمكنكم متابعة مساجلاته الشعرية مع الشاعر أحمد عبد ربه المعمري وغيره من الشعراء بصوت الفنان الرائع علي صالح محمد اليافعي كشاهد على زمن لم يُغادر الذاكرة.
قال الضالعي من راسي
با صبر وبملأ كاسي
وابدع من جحاف القاسي
في قيفاني الشعرية
قيفاني لخصمي بسباس
بتيبس فؤاده يباس
بل هي محرقه بالقرطاس
شي ميزر وشي آليه