قال د. عارف محمد عباد السقاف، استاذ اقتصاد الأعمال المشارك، شهدت مناطق الشرعية خلال اليومين الماضيين صعوداً مفاجئاً وغير مسبوق في قيمة الريال اليمني مقابل الريال السعودي، حيث هبط سعر صرف الريال السعودي من 750 إلى 600 ريال يمني، وهو تحول سريع أربك السوق وأثار تساؤلات كثيرة حول أسبابه وخلفياته، ومدى إمكانية استمراره.
البنك المركزي في عدن اتخذ خلال الأيام الماضية سلسلة من الإجراءات التنظيمية، تمثلت في توقيف عدد من محلات الصرافة غير المرخصة، والمتورطة في مخالفة الأنظمة والتعليمات الصادرة عنه. هذه الخطوة قوبلت بترحيب واسع كونها تسهم في كبح المضاربة وضبط السوق، وتعزز من هيبة السلطة النقدية الرسمية، التي ظلت مغيبة لفترات طويلة
لكن وعلى الرغم من تلك الإجراءات، لاحظنا خلال جولة ميدانية اليوم الثلاثاء أن بعض محلات الصرافة التي شملها قرار التوقيف تمارس أعمالها بشكل اعتيادي دون أي التزام، بل وتعرض أسعار شراء للريال السعودي عند 600 ريال، في حين تبيعه بسعر يصل إلى 670 ريال، بفارق كبير يعكس وجود تلاعب واضح ويشير إلى غياب الرقابة الميدانية وضعف تنفيذ القرارات. هذا الواقع يطرح تساؤلات مشروعة عن جدية الإجراءات، وفاعلية المتابعة، وهو ما يستوجب وقفة جادة من البنك المركزي لتفعيل أدواته الرقابية بشكل أكثر حزماً.
من الواضح ايضا أن جزءاً كبيراً من الهبوط المفاجئ لقيمة الريال السعودي يعود إلى اسباب عبث بعض محلات الصرافة بالسوق، والمضاربة غير المشروعة التي طالت العملة خلال الفترة الماضية، والتي جرى رصدها من قبل الجهات المعنية وتوثيقها بالأدلة. كذلك لا يمكن إغفال أثر الاحتجاجات التي شهدتها مدينة المكلا مؤخراً نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية، والتي ربما دفعت السلطات لاتخاذ إجراءات تهدئة، ومنها التأثير المباشر على سوق الصرف.
من المسائل التي باتت تؤرق الاقتصاد في عدن، التحويلات المستمرة للعملة الصعبة إلى مناطق سيطرة صنعاء، وخاصة مقابل الواردات من الخضروات والقات و بعض السلع الأخرى. هذه التحويلات تتم بالريال السعودي، مما يؤدي إلى استنزاف العملة الصعبة من مناطق الشرعية، ويضعف من قدرة السوق المحلية على الحفاظ على توازنها النقدي.
كما تبرز ايضا أهمية تفعيل دور لجنة الرقابة على الاستيراد من الخارج، وضبط عمليات الاستيراد بما يضمن إجراء التحويلات عبر الأطر الرسمية بما فيه المصلحة العامة، كخطوة أولى لتقليل النزيف النقدي وتعزيز الاستقرار. كما يجب على اللجنة وضع آليات رقابة صارمة على تدفقات الأموال، وضمان توجيهها نحو أولويات الاستهلاك المحلي لا الاحتكار أو المضاربة.
رغم ما قد يحمله هذا الطرح من حساسية سياسية، إلا أن مصلحة المواطن وقوته اليومي تتطلب خطوات شجاعة. ومن بين الحلول الممكنة، أن يتم الاتفاق مؤقتاً بين البنك المركزي في عدن والبنك في صنعاء على سعر صرف موحد بين العملتين أو آلية تثبيت مؤقتة لأسعار التحويلات بين المناطق، تجنب الطرفين اللجوء إلى العملات الصعبة، وتحد من النزيف الاقتصادي. نعم، قد يعد هذا اعترافاً ضمنياً بواقع غير مرغوب فيه، لكن في ميزان المصلحة العامة، فإن ضمان استقرار السوق والمعيشة أولى من الحسابات السياسية الضيقة.
من المستغرب ايضا أن يبقى السعر الرسمي للريال السعودي في البنك المركزي عند 740 ريالاً، في حين يباع ويشترى في السوق اليوم بـ 600 ريالاً فقط. هذه الفجوة تفقد السعر الرسمي قيمته، وتضعف ثقة المتعاملين به. المطلوب الآن أن يقوم البنك المركزي بمراجعة فورية لسعره المرجعي، والعمل على جعله أكثر واقعية، ليكون أداة دعم حقيقية للعملة، وليس مجرد رقم مجمد في نشرات رسمية.
كما أنه من المطلوب حاليا تفعيل دور مكاتب التجارة والصناعة في المحافظات لمراقبة الاسعار للمواد الغدائية و وضع حدود لها والضغط على التجار لتخفيض الاسعار مع التحسن في سعر الصرف.
ورغم كل ما سبق، لا بد من الإشادة بقيادة البنك المركزي في عدن التي أظهرت بعض التحرك الإيجابي مؤخراً، وأبدت استعداداً لاتخاذ قرارات جريئة لمواجهة الفوضى في سوق الصرف. هذه الخطوات بحاجة إلى الاستمرار والتوسع، ودعمها على كافة المستويات الرسمية والشعبية.
نعتقد في حال استمرار الإجراءات الرقابية، وتفعيل لجنة الاستيراد، فمن المتوقع أن يستقر سعر صرف الريال السعودي في نطاق 450 إلى 500 ريالاً يمنياً حتى نهاية أغسطس 2025. هذا الاستقرار، وإن كان نسبياً، سيمنح الأسواق والمواطنين شيئاً من الطمأنينة، ويشكل أرضية لاستعادة الثقة تدريجياً بالعملة الوطنية.
كما اقترح لدعم استقرار الريال اليمني التالي:
إنشاء منصة إلكترونية موحدة للصرافة مرتبطة مباشرة بالبنك المركزي لضبط السوق لحظياً.
منع التحويل بالريال السعودي إلى صنعاء والاقتصار على التحويل بالريال اليمني (الشرعية) فقط.
ربط جميع المنافذ الجمركية بسعر صرف موحد معلن من البنك المركزي.
تشجيع الصادرات المحلية لتقليل الضغط على النقد الأجنبي
توجيه المنظمات الدولية للتعامل مع البنك المركزي في عدن مباشرة بدلاً من الاعتماد على شبكات الصرافة.
تكثيف حملات التوعية الإعلامية حول مخاطر المضاربة بالعملة، وترويج ثقافة التعامل بالقنوات الرسمية.
وعليه، فإن ما حدث خلال اليومين الماضيين يعكس أن الإرادة حين تتوفر، فإن التأثير ممكن. لكن هذا التأثير يحتاج إلى نفس طويل، وتنسيق مؤسسي فعال، وقرارات تنفذ لا تعلن فقط. فالريال اليمني لا يحتاج معجزة، بل يحتاج دولة