آخر تحديث :الأربعاء-09 يوليو 2025-05:23ص
وثائقيات


همس اليراع ...في الذكرى الخامسة لوفاة المناضل علي محضار بن حلموس

همس اليراع ...في  الذكرى الخامسة لوفاة المناضل علي محضار بن حلموس
الأربعاء - 09 يوليو 2025 - 02:42 ص بتوقيت عدن
- أبين تايم /خاص

يمثل المناضل الأكتوبري الكبير اللواء علي محضار قاسم بن حلموس واحداً من الأسماء الخالدة في سفر الثورة الأكتوبرية المجيدة التي انبثقت العام 1963م من جبال ردفان الشماء، لتفتحَ بذلك طريق الحرية والاستقلال والانطلاق نحو بناء الدولة الوطنية الجنوبية المستقلة بعد توحيد السلطنات والإمارات والمشيخات الجنوبية في دولةٍ فتيةٍ جنوبيةٍ واحدةٍ، تمتد أراضيها من أقاصي الحدود مع سلطنة عمان شرقاً حتى باب المندب وجزر حنيش وميون وكمران غرباً.

كنَّا تلاميذَ صغاراً بين العامين 1963-1965م في مدرسةٍ هجينة بين المعلامة التقليدية (الكُتَّاب) والمدرسة الحديثة في منطقة العمري، وكان المعلمان فيها هما الأستاذان القديران المناضلان حسن محمد عبادي العامري المحرمي واحمد قاسم بن حلموس المحرمي لهما الرحمة والمغفرة، ولم نكن نعلم أنهما ينتميان إلى الجبهة القومية التي لم يكن اسمها في تلك البدايات قد شاع كثيراً بين الأوساط الشعبية، على الأقل بالنسبة لنا كأطفال، لكنهما كانا يتعمدان في كل مرة أن يقدما لنا بعضاً من ثوار الرابع عشر من اكتوبر، وكان المناضل الفقيد علي محضار أحد أبرز هؤلاء الذين كانوا يزوروننا في المدرسة بين حينٍ وآخر، ويلقون فينا بعض الكلمات والخطابات التي تتحدث عن الثورة ومقارعة الاستعمار والنضال في سبيل الحرية والكرامة والاستقلال.

ربما كان أغلبنا صغيراً على فهم تعقيدات القضايا التي يتحدثون عنها لكننا كنا نفهم منها بعض المفردات التي حفظنا معانيها عن ظهر قلب منذ ذلك الزمن والمتصلة بمعاني الحرية، النضال، الثورة، الوطن، الاستقلال، السيادة الوطنية، وكذا مفردات الاستعمار، التبعية، وعملاء الاستعمار البريطاني والرجعية، وكان الحديث يتناول كذلك شخصية الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو المصرية والقومية العربية والوحدة العربية، . . ومن خلال ذلك عرفنا أن هؤلاء ثوارٌ يقودون الثورةً المسلحة ضد الاستعمار البريطاني التي كانت بعض أحداثها تدور على مسامعنا وعلى مرأى منا في جبال ردفان التي لم تكن تبعد كثيراً عنا.

في العام 1964م تم تكليف المناضل علي محضار قائداً لجبهة يافع، وتمكن من استقطاب عددٍ من المناضلين إلى صفوف الجبهة القومية وإلى جبهات القتال لمواجهة القوات البريطانية التي كانت تتواجد في مناطق يافع والفضلي الساحلية المتداخلة وقد نجحت هذه الجبهة في تنفيذ العديد من العمليات الفدائية الحاسمة.

بعد وفاة الفقيد المناضل بن حلموس في العام 2020م بأيام كتب الأستاذ الوزير محمد عبد القوى وقد كان أحد نشطاء الجبهة القومية في القطاع الطلابي خلال تلك الفترة متحدثاً عن العمليات الفدائية التي كان يقودها الفقيد ورفاقه في منطقة أبين ضد القوات البريطانية فيقول "وفي إحدى هذه العمليات بمنطقة يرامس في أبين نشبت معركةٌ غير متكافئةٍ . . . نفدت فيها ذخيرة المجموعة (المقصود مجموعة الثوار الذي يقودهم الفقيد) وجُرِحَ منها من جُرح، وتم أسر علي محضار ورفاقه وزُجَّ بهم في سجن جعار، المسمى البحرين".

ويشير الأستاذ الوزير إلى كيفية تعرُّفِه على المناضل علي محضار في سجن البحرين، حينما تم اعتقاله (اعني الأستاذ محمد عبد القوي ) على خلفية مظاهرة لطلبة كلية الاتحاد بعدن وتوزيعهم على سجون المناطق التي ينتمون إليها.

يقول السيد الوزير التقيت المناضل علي محضار في السجن "عدة مرات عندما كانت تتاح لنا فرص الخروج الجماعي من الزنازين إلى الباحة الداخلية للتشمس والمشي لمدة ساعة واحدة، وكانت معنوياته عالية ويشدُّ من أزر رفاقه في السجن"*.

ويتعرض الأخ الوزير محمد عبد القوي في مقالته الطويلة والجميلة إلى الكثير من التفاصيل والوقائع والأحداث المتصلة بالدور الوطني الكبير للمناضل علي محضار، سواءٌ في تأسيس الجبهة الوطنية، أحد الفصائل التي شكلت فيما بعد تنظيم الجبهة القومية وبروز مواهبه أثناء قيادته لجبهة يافع، أو دوره في استقطاب العشرات من المناضلين إلى صف الثورة حينما كان يزور مدينة جعار ويعقد اللقاءات السرية مع هؤلاء المستهدفين بالاستقطاب، أو عن مشاركته في المؤتمر الثاني للجبهة القومية الذي انعقد في بداية العام 1966م بمدينة جبلة بلواء إب، والمؤتمر الثالث في نوفمبر من نفس العام الذي انعقد بمنطقة خمر بقعطبة، ومعاناة الفقيد مثل الكثيرين من القادة المخلصين في العلاقة مع الجهاز المصري في تعز وخصوصاً المماطلة في دعم الجبهة القومية على خلفية رفض عملية الدمج (القسرية ) مع منظمة التحرير، التي جاءت بتوجيه من الأجهزة المصرية، وكذا دور الفقيد من أحداث 11 فبراير 1967م (التي سنتوقف عندها لاحقا) والعديد من التفاصيل المهمة.

* * *

كان اسم علي محضار قد ازداد انتشاراً بعد حادثه الهروب الجماعي من سجن جعار حينما غادر الفقيد علي محضار السجن مع مجموعة من رفاقه منهم المناضلين محمد علي القيرحي، الشهيد عبد الباري عبد الحبيب، عبد الرحمن أبوبكر الشقي، صالح ثابت عصملي، السيد حسين عيدروس، عبد المجيد عبد الله محسن، عبد عبد الله محمد، قاسم عبد الله الذيباني، الشهيد أحمد راجح العمري، الخضر غالب الشقِّي عليهم جميعاً رحمة الله والمناضل علي حسين ناصر (مخيل)*** أطال الله بعمره وآخرون.

كان الدور الكبير في حادثة التهريب يعود لخلية تتكون من عدد من المناضلين الذين خططوا بعناية لنجاح تلك العملية ومنهم المناضلين محمود حسين سبعة، وصالح فاضل الصلاحي وناصر عبد القوي اليزيدي، وعبد الله عبد الرحمن وحارس السجن الشاب محمود خالد ناصر الدعاسي عليهم رحمة الله جميعاً.

كان لحادثة تهريب المعتقلين من سجن البحرين بجعار صدىً معنوياً كبيراً في الأوساط السياسية والشعبية المعادية للوجود الاستعماري، وكان اسم علي محضار يزداد حضوراً وتألقاً حيث بقي في مهمته قائداً لجبهة يافع مواصلاً قيادة وتوجيه المزيد من العمليات الفدائية ضد الاستعمار البريطاني وقواته، حتى قبيل الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967م

بعد الاستقلال الوطني وبعد استقرار الأوضاع وإعلان الدولة الوطنية الجنوبية المستقلة عمل الفقيد علي محضار في جهاز الأمن الداخلي، لكن لم تمض أكثر من سنتين حتى غاب اسم الفقيد عن المشهد، ولم نعلم (نحن التلاميذ حينها) إلا بعد سنوات أن المناضل الكبير بن حلموس قد غادر الوطن الى الخارج بسبب الصراعات السياسية وعدم رغبته في الانخراط في المنابر والتيارات المتصارعة آنذاك فيما بينها.

حينما التقيته في صنعاء بمعية العديد من الزملاء في العام 1990م قال لي: لقد تمنيت أن أستقر في السعودية أو أي دولة خليجية أخرى كي أكون قريباً من وطني وأهلي، حيث هناك متسعٌ للعمل والعيش بسلام، لكن "ما منعني من هذا هو تلك الاتهامات الجاهزة التي كانت غالباً ما تلصق بأي ناشط سياسي يقيم في تلك البلدان الشقيقة" وقد استقر الفقيد القائد الفدائي الكبير علي محضار في مملكة الدانيمارك حتى العام 1990م حينما حصل انفتاحٌ سياسيٌ نسبي فقرر العودة إلى صنعاء ومنها إلى مسقط رأسه وميدان نضاله الوطني في عدن وأبين ويافع وقد كان استقباله في مديرية رُصُد بيافع التي ينتمي إليها استقبال الأبطال كما يليق بمناضل فذٍّ ممن أسهموا في صناعة ألأحداث الجسيمة في تاريخ الجنوب الحديث.

وبالمقابل أظهر مناضلنا الكبير قدراً من التسامح والفهم المعمق لمعاني الثورة والوطن والوحدة الوطنية والاستقلال والتصالح والتسامح وبدا متجاهلاً الكثير من حالة الإقصاء والتجاهل والإساءات التي تعرض لها اسمه خلال فترة النزوح القسري على مدى أكثر من العقدين من الزمن.

بعد العام 1990 وبتوجيهات من نائب رئيس مجلس الرئاسه المناضل عليه سالم البيض حينها جرى تعيين المناضل علي محضار مستشاراً لوزير الداخلية برتبة عميد لكن هذا الإنصاف لم يدم طويلاً حيث تعرض للظلم مرةً أخرى بعد العام 1994م فقد نُهِب منزله في عدن وكذا سيارته التي منحت له من وزارة الداخلية والأمن، أما في صنعاء فلم يكن يملك شيئا غير اثاث المنزل الذي كان يستاجره من احد المؤجرين، ومن المؤكد أن الذين تولوا كل المناصب الرفيعة حينما كان المناضل الكبير علي محضار يعمل تحت قيادتهم لها، لم تكن لهم أية مكانة في أيٍ من مساري الثورتين اليمنيتين لا في سبتمبر ولا في أكتوبر ، . . وذلك هو قدر المناضلين العظماء الذين ينكرون ذواتهم ويخدمون أوطانهم ويتنكرون لأنفسهم ويتعرضون للظلم والإقصاء، وفي كثير من الأحيان يعامَلون معامله الاعداء من قبل المتطفلين على الثورة والنظام والدولة والوطن.

* * *

اثناء إقامتنا في صنعاء تعرفت على تفاصيل كثيرة من حياة المناضل علي محضار حيث روى لي عن أحداث يوم 11 فبراير 1967م حينما كان فقيدنا مع المناضل الشهيد البطل مهيوب علي غالب المسمى حركياً بـ(عبُّود) حينما اشتركا ومعهما عشرات المناضلين من جبهتي التحرير والقومية في أهم مسيرةٍ جماهرية في منطقه الشيخ عثمان، حينما أراد الاستعمار البريطاني ومعه وزراؤه وأنصاره من حكومة الاتحاد ومجلسها الاتحادي، الاحتفاء بذكرى تاسيس "اتحاد الجنوب العربي" الذي كان يحتفى به في يوم الحادي عشر من فبراير من كل عام، حينها كان الشهيد عبود ومعه المناضل علي محضار يشاركان في الفعاليات الاحتجاجية الكبيرة في مدينه الشيخ عثمان حينما أقبلت مجموعة مسلحة من القوات البريطانية، وكان عبود يحمل قنبلةً مربوطةً إلى حزامه، فقرر استخدامها في وجه تلك المجموعة المسلحة وقد نتج عن هذه العملية سقوط عددٍ من الجنود والضباط الإنجليز بين قتيلٍ وجريح، لكن البطل عبود تعرَّض للقنص والاصطياد على يد أحد القناصة البريطانيين المتمترسين أعلى إحدى العمارات الواقعة بجوار مسار المظاهرة، فسقط شهيداً عليه رحمة الله، وكان يمكن لزميله المناضل علي محضار أن يكون الشهيد الثاني بجواره لولا إرادة الله ولطفه، . . . وطبعاً سقط مع الشهيد عبود عددٌ من الشهداء** لكن الشهيد عبود الذي اشتهر بالكثير من المواقف البطولية والعمليات الفدائية النادرة والشجاعة مثله مثل فقيدنا بن حلموس، قد اشتهر اسمه كرمز من رموز ثوار الرابع عشر اكتوبر، ومنذ ذلك اليوم سمي يوم الحادي عشر من فبراير بيوم الشهداء تقديساً لذكرى الشهيد عبود وجميع الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم في ذلك اليوم وقبله وبعده من ثوار اكتوبر من جبهتي من الجبهتين القومية والتحرير.

* * *

في السنوات الأخيره وبعد العام 2014 بقي المناضل علي محضار في منزله ولم يغادر إلا للعلاج في القاهرة بين حين وآخر بعد ما فتكت به الأمراض ولم يلتفت له إلا عدد الناس الخيرين الذين لا تربطهم أية علاقة بالسلطتين في صنعاء وعدن، ممن يعيشون غالباً خارج الوطن.

ختاماً وبمناسبة مرور خمس سنوات على وفاة الفقيد المناضل الأكتوبري علي محضار بن حلموس، أضم صوتي إلى أصوات العديدين الذين يناشدون اللجنة المكلفة بتخليد ذكرى الفقيد، باستكمال إصدار الكتاب الذي يخلد ذكراه العزيزة، والذي جرى إعداده برعاية رجل الأعمال الوطني النبيل الأخ محضار بن طهيف، وقد علمت أنه كان شبه جاهزٍ، قبيل وفاة رئيس اللجنة الفقيد الدكتور العميد عبدربه محمد عمر الله يرحمه.

إن إصدار هذا الكتاب هو أقل ما يمكن أن يقدم لمناضلٍ بمقام ومكانة ودور هذا المناضل الأكتوبري الكبير.

المجد لذكرى المناضل الكبير بن حلموس وجميع مناضلي ثورة الرابع عشر من أكتوبر وكل شهداء الجنوب الحبيب، ولروحه السلام والسكينة والخلود في جنات النعيم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المقال منشور على موقع صحيفة الأيام يوم الأثنين 10 أغسطس 2020م بعنوان "صفحات نضالية خالدة للفقيد علي محضار" أ. محمد عبد القوي.

** هذه التفاصيل أكدها الأستاذ الوزير محمد عبد القوي، في النمقال المشار إليه أعلاه، . . . وكان كاتب هذه السطور قد تعرض لهذه التفاصيل وغيرها في الفصل 35 من رواية "حنين الأماكن" الصادرة في طبعتين عامي 2023، 2024م عن دار يسطرون، بالقاهرة، والتي يتواصل نشرها على حساب الكاتب على فيس بوك منذ أشهر.

*** أسماء المجموعة الهاربة من السجن وصورتها المرفقة مأخوذة من صفحة المناضل سالم علي بن حلبوب، وهي دقيقة وصحيحة كما جرى تداولها وحفظ نسخة منها لدى متحف مديرية رُصُد الذي اختفى بعد حرب ١٩٩٤م.