بقلم/محمد ناصر العولقي:
الفنان العذب محمد علي ميسري رحمه الله كيان فني له مكانته الطيبة في فضاء الأغنية المعاصرة على مستوى الوطن والجزيرة العربية ، وعلى وجه الخصوص تلك الأغنية المعجونة بروائح الريف الأصيلة ، وعبق المدينة النفّاذ ، وحب الإنسان وقوة انتمائه لأرضه وحنينه إليه .
ومن يستمع الى أغنيات الميسري يجد ( صوتا ) مدهونا بمزيج العذوبة والبراءة ، وموشّى بنسيج الحنان والاشتياق ، ومصنوعا من خلاصة التوهج والحزن المحفز للإبداع لا الحزن المثبط للوجدان .
ومن يستمع الى أغاني الميسري سيستمع الى ( ألحان ) تنعش في روحه رغبة ملحة للاستغراق في التأمل كأنه يقف على ضفتي جدول ينساب ماؤه وسط رابية خضراء تحف بها عصافير الحقول وحمائم الدور .
ومن يستمع الى أغنيات الميسري سيستمع الى ( كلمات ) بسيطة وعادية تقال يوميا في كل مكان غير أنها بصوت الميسري وألحانه تصير حاملة دلالات إضافية وقوة مضمون وذات قيمة وبعد وجداني وتماسك عاطفي حاذق وتؤثر في آن واحد وبنفس المستوى على الوعي والوجدان معا ...
إنه لا يلحن ولا يغني سوى ما يجد نفسه راضيا عنه وما يشعر بإشعاعه في داخله أولا قبل أن يقدمه للناس .
كان الفنان المرحوم محمد علي ميسري يحب اللون الأزرق الفاتح ( السماوي ) لأنه يدل - حسبما قال لي - على الصفاء والسعة الوجدانية والحب ، ولكن هذه الصفات التي مال إليها خاطره وجسّدها في سلوكه مع الناس لم تقابل من بعضهم بمثلها ؛ فأعماله الغنائية - القليلة - التي سجّلها للإذاعة والتلفزيون نادرا ما تذاع على الناس : ( يا فلاحة ) و ( كيفكم يا حبايب ) و ( كيف حالك حبيبي ) و ( شي معك لي أخبار ) و ( ليش زعلان مني ) و ( شوف بعينك ) ... الخ .
كما أن أعماله المسجلة في الأسطوانات تعرضت للسطو من أصحاب اليد الخفيفة ، فقد اختطف عليه الفنانون الخليجيون ثلاثا من أغنياته :
الأولى هي أغنية ( يا عم منصور ) التي بدأ كتابة كلماتها تحت تأثير الحنين الى الوطن عندما كان مشاركا في إحدى المهرجانات في كوريا الشمالية ثم استكملها ولحّنها بعد عودته الى الوطن بثلاثة أشهر وغناها لأول مرة في الكويت ثم منحها للفنانة أمل كعدل .
والثانية أغنية ( ليش زعلان مني ) كلمات عبدالله مقادح وقد اختطفها الفنان البلوشي ونسبها الى غير صاحبيها .
والثالثة أغنية ( شي معك لي أخبار ) كلمات مقادح وقد اختطفها الفنان خالد الملأ وظل مصرا كما هو حال زميليه الخليجيين الآخرين على إبقائها في دائرة الأسر والاختطاف .
كما أن الميسري أيضا ظل حاله حال زملائه من كبار الفنانين والمبدعين هنا بعيدا عن اهتمام السلطة وولاة الأمور وعانى مثلهم من الاهمال وعدم الاهتمام والرعاية حتى قضى المرض عليه هذا اليوم ورحل مخلفا لأولئك اللعنات تلوكها عليهم ألسنة الكبير والصغير .
رحم الله الميسري وأسكنه فسيح جنانه .
