حوطة بلجفار المحروسة بالله
كتب /علي بن علي سعد:
كانت فترة حكم السلطان عبدالكريم فضل و التي دامت أربعون عاماً قد تسببت في أحباط بعض بيوت الأسر العبدلية و استئصال هذه البيوت من الحكم حين أعلن أن ابنه فضل عبدالكريم ولي العهد للسلطنة من بعده في وقت مبكر , رغم ان هناك نظام للحكم متفق عليه في تولي السلطنة من عهد الجد في المشيخة العبدلية الشيخ فضل بن علي ألسلامي 1114هـ (1695م) , و مؤسس السلطنة بعد ذلك السلطان محسن فضل بن علي عام 1250هـ الموافق 1836م هذا التصرف من السلطان عبدالكريم فضل الذي تولى السلطنة عام 1915م الموافق 1534هـ تسبب في ظهور التداعيات و الإختلالات الداخلية في السلطنة .
لقد بداء تحريك المياه الراكدة في السلطنة العبدلية والذي كان وراء ذلك بيوت عبدالله تجمدت مكانها و سد الطريق أمامها في الوصول الى الحكم , فوجدت ضالتها في تعيين ولي العهد فضل عبدالكريم الابن الأكبر للسلطان عبدالكريم في أن قامت بمحاولة قتل ولي العهد عن طريق صديقة الأمير الشاب علي محمد سعد سالم وهذا الأمير من أبناء بيت سعد سالم وعمه صالح سعد سالم الأمير الشاعر وسكرتير الخاص للسلطان عبدالكريم فضل وهي أسرة ليست عبدلية إي من البيوت الخمسة , و إنما من أل الفضلي أبين حلت في لحج من فترة طويلة كما قال ذلك الأمير عبدالحميد(عبدوه) عبدالكريم في عهد السلطان الأول محسن فضل العبدلي عام 1250هـ , وهذا البيت تحت خدمة السلطنة , وقد تم تعيين سعد سالم أمير على منطقة ( ) القديمة و سميت بعد ذلك بدار الأمير سعد أو بدار سعد , وهي المنطقة المعروفة اليوم بدار سعد التابعة لمحافظة عدن كمديرية .
أن الشاب علي محمد سعد كان شاباً مثقفاً , يثقف نفسه ذاتياً و القراءة لكبار المفكرين في ذلك الزمان أمثال جمال الدين الأفغاني و عبدالرحمن الكواكبي و الشيخ محمد عبده و ابن النديم و يطلع على الصحف و المجلات التي كانت تصدر آنذاك من مصر , وكان يراسل بعض هذه الصحف و المجلات مثل الوقائع و المقطم و المقطف المصرية , وبعض الصحف البريطانية كالتايمز و الأبزروفر , و كان ينشر من حين لآخر على هذه الصحف و المجلات مقالات تندد بحكم السلطان عبدالكريم فضل بأسم مستعار , فأشار السلطان عبدالكريم فضل على الشاب علي محمد سعد و أمر على الفور بالتحقيق معه وسجنه , وقد ضاق بالشاب درعاً فترك مسقط رأسه الحوطة ورحل الى الحبشة , ورغم ذلك لم يتوقف من الكتابة وتنديد بحكم السلطان عبدالكريم فضل .
ولم يجد السلطان عبدالكريم فضل ألا أن يقبل بنصائح مستشاريه بان يرسل الى الشاب علي محمد سعد من خلال عمه الشاعر و السكرتير صالح سعد سالم بأن يعود الى بلدة على شرطين ليس لهما ثالث هو :
_ أن يقوم السلطان عبدالكريم فضل بأن يعطيه قطعة أرض زراعية ووظيفة في الدولة على أن يؤكد تخليه من نشاطه الصحفي بالمرة .
فوافق الشاب علي محمد سعد على هذان الشرطان و عاد مع عمه الشاعر صالح سعد سالم الى مسقط رأسه لحج , غير أن الحال في لحج آنذاك لا يسر عدو و لا صديق و خاصة في مدينة الحوطة حيث كان المزارعين كلهم مستأجرون من قبل السلطان نفسه فهم رعوية لديه .
كذلك كان هؤلاء المزارعون يسقون الارض من منابع المياه العيون أو الغيل , ويحول الى البرت ( استصلاح أراضي جديدة) قام بها السلطان عبدالكريم فضل في خلاف , وبعض الأمراء يفعلوا كما فعل السلطان عبدالكريم فضل في استصلاح أراضي جديدة في خلاف (خلاف أرض برت خارج الأرض الزراعية المعروفة آنذاك) مما جعلهم أي السلطان و الأمراء يحولون السيول و الغيل الى هذه الأراضي الجديدة و المستصلحة في خلاف , إضافة الى ذلك أصبحت الأراضي المستأجرة من السلطان وبعض الأمراء وهي (مردع) أي أول ما تسقى من سيول الوادي قبل الاستصلاح لا يدخلها السيل بسبب عدم السماح الهم بضرب المعاقم ( السدود الترابية و العشبية في مجرى السيول ) لتملا الوديان و الأعبار فالج و بيزج ووادي الثعلب مما سبب الغبن للفلاحين .
و من الأسباب أيضا من النظام التمويني الذي فرضه السلطان عبدالكريم فضل بن علي نظام الضمانة في توزيع المواد الغذائية , في عهدت أشخاص يحتكرونها مثل اللحم والسمك و الزيوت و السمسم (الجلجل) و التمباك (التبغ) و غيرها من المواد الهامة للناس , بالإضافة أن السلطان عبدالكريم أصدر مرسوم زراعي بأن الغيل هو (جمل الدولة) بمعنى لا أحد يمسه أو يتصرف فيه الى السلطان لروي البساتين و الأراضي الزراعية التي في ملكة وخاصة مما تم برتة في خلاف .
و لكل هذه الأسباب أرادت بعض بيوت آل محسن أن تضع حد و توصل رسالة للسلطان عبدالكريم فضل أنه خرج عن تقاليد حكم السلطنة, فقامت بالمؤامرة على ولده ولي العهد فضل عبدالكريم , وقيل انهم وجدوا في علي محمد سعد سالم ضالتهم :
أولاً : أن علي محمد سعد متأذي من قبل السلطان عبدالكريم فضل .
ثانياً : أن علي محمد سعد صديق ولي العهد فضل عبدالكريم و لا يمكن أن يشك فيه في قتل ولي العهد فضل عبدالكريم.
ثالثاً : موت عمه الشاعر صالح سعد سالم بالسم من قبل أعوان السلطان عبدالكريم فضل و التخلص منه أولاً ثم يتم قتل علي محمد سعد بعد ذلك .
غير أن بادرت بالمؤامرة على قتل ولي العهد حيث أعطيت علي محمد سعد خطة ما بيت له و لأسرته من قبل السلطان عبدالكريم فضل , وحمسته على قتل فضل عبدالكريم لإحراق قلب أبيه عليه.
و قدم في ذات ليلة علي محمد سعد و في يده ملفوف خبأ فيه المسدس و قال عند دخوله الى قصر دار الحجر أن لديه وثائق للسلطان عبدالكريم و أبنه ولي العهد فضل عبدالكريم علي محمد سعد يكشف لهما المحرضين له في قتل أبنه , غير أن السلطان عبدالكريم فضل لم يأبه بهذا , وجلس علي محمد سعد بجانب ولي العهد لم يكن بينهما أي خلاف .
و في أثناء الحديث و الكل جلوس أخرج علي محمد سعد المسدس وضرب به فضل عبدالكريم فأصابته في عينه وفخذه , فقفز بعض الأمراء المتواجدين و أنقضوا على علي محمد سعد و طعنوه بالخناجر و قضوا عليه , و قيل أن علي محمد سعد قال قبل موته هذه العبارة : (( انتم المحرضون و أنتم القاتلون )) و بهذه العبارة عرف ولي العهد فضل عبدالكريم المتآمرين على قتله , وقد قام السلطان عبدالكريم فضل على الفور في نشر جنوده على طول المدينة في البحث عن مطلوبين , ثم قام بطرد الأمير سعد سالم و أسرته الى خارج مدينة الحوطة و قيل الشقعة و منعهم من دخولها و لم يعود الى مدينة الحوطة ألا في عهد السلطان علي عبدالكريم , نفي أمراء آل منصر فضل عبدالقوي منصر و أمراء من دار حمادي آل علي بن أحمد الى جزيرة سقطرى و لم يطلق سراحهم الى بعد بيعة لولي العهد فضل عبدالكريم .
ورغم ذلك لم يكن السلطان عبدالكريم فضل سيئاً , لكنه كان شديداً على الأرض و على الوطن , حريصاً أن يكون الكل تحت آمرته , وقد يرى أن من أعماله الطيبة و حرصه على الأهالي , أثناء الحرب العالمية الثانية , إنقاذهم من مجاعة مهلكة بسبب إغلاق البحار في وجه البواخر و السفن التجارية , كذلك أهتمامة بتعليم الشعب و فتح المدرسة المحسنية العبدلية بالمساهمة مع أخيه محسن فضل بن علي , عمل الاتفاقيات التعليمية مع مصر و العراق و السودان , كذلك شق طريق يربط مدينة الحوطة الى شمال الوطن آنذاك و عمل الجسور لذلك , حيث لم تكن هنا طريق من قبل عهدة , وقد كانت الطريق القديم للدخول لمدينة الحوطة طريق القوافل القادمة من شمال الوطن من سيلة حردبه و لاتجاه شرقاً حتى قرية سفيان ثم الانحراف جنوباً و الدخول لمدينة بالقوافل عن طريق سفيان .
صحيح أن للسلطان عبدالكريم فضل بعض التصرفات المهينة لبعض الناس الذي كان يراهم بعين طبعه غير سويون , فكان يسجن ذا لأي سبب , ويهين ذاك لهندامه الذي يوازي هندام السلطان أو الأمراء , كقصة الحمري لأبن الجزار حين جاءه رسولاً من أخيه أحمد فضل بن علي (القمندان) يطلب أن يرسله قليلاً من النقود وقد كان الحمري مهندماً بثيابه الحرير من ملفته و القميص ( الشميز) و العمامة الحرير , فأمر خدمة أن يضعوا على رأس الحمري فوق العمامة الفحم في شليته (جونية صغيرة) و من فوقها نصف لادي برد , فذاب البرد و سال على الفحم على العمامة و القميص و فما أن وصل الى بيت القمندان إلا و كل هندامه قد أتسخ .
كذلك قال الشاعر و الملحن عبدالحميد (عبدوه)عبدالكريم أن سكرتيره الخاص الشاعر صالح سعد سالم كان دائماً وجيهاً مهندماً فكان السلطان عبدالكريم يغار منه كثير حين يستقبل ضيوفه و خاصة الأجانب وكان الشاعر صالح سعد سالم يتقدم السلطان خطوة لاستقبال الضيوف بقصد التعريف , فكان السلطان عبدالكريم فضل ينهره و يقول له تأخر أنا السلطان مش انته !!
أنني هنا أستغرب بما حدث للأمير أحمد مهدي بن علي و الأمير حسن بن علي سواء في إتهامهما في مؤامرة على قتل فضل عبدالكريم , وقيام فضل عبدالكريم بقتلهما , لأن الوثيقة الوحيدة التي معنا تؤكد ليس لهما ضلع في هذه المؤامرة (الوثيقة) و أن الأمير أحمد مهدي بن علي كان أميراً للشرطة بلحج في عهد السلطان عبدالكريم فضل و الأمير حسن بن علي كان أميراً ورئيس للقضاة في محكمة لحج .
و ان الأمير أحمد مهدي بن علي و فضل عبدالكريم فضل متزوجان أختين هن بنات أحمد فضل بن علي (القمندان) , فقد ذهباً ضحية هذه المؤامرة ألا أذا كان هناك توضيح من أحد الأمراء الأحياء حتى الآن في البلاد العربية يفيدون بها القارئ ملابسات هذه التهمة للأميرين أحمد مهدي بن علي و الأمير حسن بن علي .
من صفحة الدكتور وهيب عبدالله سعد على فيسبوك