ما قاله نائب وزير الخارجية اليمني مصطفى النعمان ليس زلة لسان، ولا سوء تعبير في مقابلة عابرة، بل انكشاف نفسي كامل لعقل سياسي مأزوم، يرى الوطن من زاوية “البدل والسكن والسفريات”، ويرى الوحدة كعقد وظيفة دائمة لا كمشروع دولة.
أولًا: التحليل النفسي – عقلية الخوف من فقدان الامتياز
في علم النفس السياسي، هناك نمط معروف يُسمّى عقلية الامتياز المهدد.
صاحب هذا النمط لا يدافع عن فكرة، بل عن راتب.
لا يقاتل من أجل وطن، بل من أجل بطاقة سفر دبلوماسية.
وعندما يشعر بأن الامتياز في خطر، يتحول العدو إلى حليف، والخيانة إلى “تكتيك وطني”.
هكذا يصبح الحوثي – ذراع إيران – “شريكًا محتملاً”،
وتتحول الوحدة من قيمة جامعة إلى فزاعة ابتزاز:
إما تقبلوا وحدتي… أو أتحالف مع من دمّر اليمن.
ثانيًا: التحليل الاجتماعي – خطاب كراهية مُعاد تدويره
خطاب النعمان ليس جديدًا، هو نسخة “دبلوماسية مهذبة” من فتاوى 1994:
بالأمس: تكفير الجنوبيين
اليوم: تخوينهم وتهديدهم بالحوثي
الفرق فقط أن:
الزنداني استخدم “الأفغان العرب”
النعمان يلوّح بـ“أنصار الله”
النتيجة واحدة:
تبرير سفك الدم باسم فكرة مقدسة تم تفريغها من معناها.
ثالثًا: التحليل السياسي – سقوط مفهوم الشرعية
الشرعية – وفق التعريف الدولي – جاءت لتحقيق هدفين:
إنهاء الانقلاب الحوثي
استعادة مؤسسات الدولة
لم تأتِ:
لفرض شكل دولة
ولا لاحتكار تفسير الوحدة
ولا لتحويل الجمهورية إلى شركة مساهمات خاصة لأفراد
حين يهدد مسؤول في “الشرعية” بالتحالف مع الحوثي، فهو:
يسقط الأساس القانوني لعاصفة الحزم
ويعلن ضمنيًا: نحن مستعدون لإنهاء سبب وجودكم
وهنا المفارقة الساخرة:
الشرعية تهدد التحالف بإلغاء شرعيته!
رابعًا: التحليل العسكري – وهم التحالف مع الحوثي
السؤال الساخر الذي يفرض نفسه:
هل يظن النعمان أن الحوثي غبي؟
الحوثي:
قاتل الجميع
انقلب على صالح
ابتلع صنعاء
فاوض السعودية مباشرة
تخلص من كل شركائه
فهل سيصبح فجأة:
جنديًا في خدمة معاشات الشرعية؟
الحوثي لا يقاتل من أجل الوحدة،
ولا من أجل الجنوب،
ولا من أجل النعمان…
هو يقاتل من أجل سلطته فقط.
خامسًا: التحليل الأمني – خطاب يهدد الأمن القومي العربي
التصريح ليس خطرًا على الجنوب فقط، بل على:
أمن السعودية
أمن الخليج
الملاحة الدولية
البحر الأحمر وباب المندب
لأنه يقول ببساطة:
نحن مستعدون للارتماء في الحضن الإيراني إذا لم تخدمونا.
وهذا ابتزاز سياسي مكشوف.
سادسًا: التحليل الاقتصادي والمالي – دولة الرواتب بلا دولة
ثماني سنوات من:
رواتب بالدولار
سكن فاخر
بدل سفر
بدل تمثيل
مؤتمرات بلا نتائج
والحصيلة:
صفر خدمات
صفر مؤسسات
صفر إنجاز
وصفر إحساس بالمسؤولية
الوحدة هنا لم تعد مشروع دولة، بل بندًا في كشف المرتبات.
سابعًا: التحليل الإعلامي – صناعة العدو البديل
حين فشلوا في:
هزيمة الحوثي
إدارة المناطق المحررة
بناء نموذج دولة
كان لا بد من:
اختراع عدو جديد: الجنوب
لأن العدو الحقيقي يفضح الفشل،
أما العدو الداخلي فيُستخدم لتبرير العجز.
الرؤية: كيف نمنع هذا السقوط؟
فصل مفهوم الوحدة عن الابتزاز السياسي
الوحدة خيار شعبي لا عصا تهديد.
إعادة تعريف الشرعية
شرعية بلا إنجاز = عبء لا قيمة.
حوار إقليمي صريح
يعترف بالواقع لا بالأوهام.
تحييد الجنوب عن صراعات الفشل
وتأمينه سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.
محاسبة الخطاب التحريضي
لأن الكلمة اليوم أخطر من الرصاصة.
الخلاصة الساخرة المؤلمة
حين يصبح التحالف مع الحوثي “ورقة ضغط”،
والوحدة “مشروع راتب”،
والشرعية “فندق خمس نجوم”،
فلا تسأل:
لماذا انهار الوطن؟
بل اسأل:
من بقي أصلًا يدافع عنه؟