آخر تحديث :الأربعاء-18 يونيو 2025-02:42ص

همس اليراع أضواء على الحرب الإيرانية - الإسرائيلية

الثلاثاء - 17 يونيو 2025 - الساعة 11:34 م

د.عيدروس نصر ناصر
بقلم: د.عيدروس نصر ناصر
- ارشيف الكاتب

تمثل الحرب الجارية اليوم بين إيران وإسرائيل حالة جديدة وخطيرة لا يمكن التنبؤ بمساراتها واتجاهاتهها في الزمان والمكان ، ولنتمكن من تسليط بعض الأضواء على هذه الحرب وآفاقها وتداعياتها يمكن البدء بالتوقف عند الحقائق التالية:

1. إن من يبادر بالضربة الأولى يمكنه في الغالب الأعم، (وليس دائماً) التحكم في مسار المعركة، أو الحرب في مسارات ما بعد الطلقة الأولى حتى نهاياتها.

2. إن إسرائيل متفوقة على إيران بالكثير من المزايا وخصوصاً في المجالين التكنولوجي والاستخباراتي، وإن مخابراتها تخترق المجتمع والنظام السياسي الإيراني وقد بينت المعطيات الأخيرة أن مئات المخبرين والخبراء الإسرائيليين المتخصصين في الصناعات الحربية قد أمضوا أكثر من سنتين داخل إيران يخططون ويصنعون الطائرات المسيرة والصواريخ التي أطلقت في اليوم الأول للحرب بالتزامن مع قصف الطيران الإسرائيلي للمدن والمنشآت والقيادات الإيرانية بينما كان الكثير من القادة العسكريين وقادة الاستخبارات اٌيرانيين غائبين عن المشهد، وربما خارج دوامهم الرسمي.

3. إن إسرائيل، دولة تقوم سياساتها على الضربة القاضية، المفاجئة، وهي تعتمد العدوان بلا وضع أي حساب للاغتبارات القانونية أو الأخلاقية أو الإنسانية أو السياسية، حيث إنه وبموجب القانون الدولي ومهما كانت مخاوف إسرائيل من الملف النووي الإيراني فإن هذا لا يمنحها الحق في أن تحدد من يحق له ومن لا يحق له امتلاك السلاح النووي، مع العلم إن البرنامج النووي الإيراني ما يزال عند مستوى الاستخدامات السلمية.

4. أن إسرائيل لا تحارب وحدها بل تحارب ومعها كل المعسكر الغربي، الأوروبي والأمريكي، وعلى رأس الجميع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلينا أن نعلم أن خيار الحرب، الذي اختارته إسرائيل لم يكن ليتم لولا رضى ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن يأست الأخيرة من إمكانية تركيع الموقف الإيراني في مباحثات مسقط وروما للشروط الإسرائيلية.

5. إن إيران (بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع توجهاتها السياسية وعقيدتها الآيديولوجية) هي دولة متميزة عن الدولة الصهيونية، من حيث العمق التاريخي وتراث آلاف السنين من الحضارة والهوية الفارسية، المهيمنة على بقية الهويات المنتمية إلى المجتمع الإيراني، فضلاً عن تجاربها المديدة في خوض الحروب وتغيير التكتيكات، والتفوق الجغرافي (مليون وستمائة وثمانية وأربعون ألف كيلو متراً مربعاً مقابل حوالي 22 ألف كلم مربعاً هي كل مساحة الهيمنة الإسرائيلية بما فيها المستوطنات والجولان والأراضي المغتصبة من أرض فلسطين) والديمغرافي (أكثر من تسعين مليون نسمةٍ، مقابل أقل من عشرة ملايين نسمة هم كل سكان إسرائيل، منهم مئات آلاف المهاجرين والعرب وحتى بعض اليهود الرافضين للأيديولوجية الصهيونية).

لكن هذه الحقائق لا تكشف الصورة الكاملة للمعادلة القائمة اليوم بين المعسكرين المتحاربين، فالصورة الحقيقية يمكن أن نستكشفها من خلال نقاط القوة ونقاط الضعف لدى الطرفين

فنقاط الضعف لدى إيران

قد سبق التعرض لها من خلال الحقائق التي توقفنا عندها في مطلع الحديث، وأهمها، اختراق المخابرات الاسرائيلية للبنية العسكرية والأمنية والدفاعية الإيرانية، وضعف المستوى التكنولوجي والاستخباري مقارنة مع الجانب الإسرائيلي، فضلاً عن الأثر المدمر للضربة الأولى على مستوى الأداء العسكري في ميدان المواجهة، إلى جانب ذلك فإن التعدد العرقي والإثني داخل إيران وتسلط الإثنية الفارسية بطابعها الدكتاتوري على بقية الأقليات يتحول هذا التعدد العرقي إلى نقطة ضعف بدلاً من جعله وسيلة إغناء وإثراء للمجتمع الإيراني.

لكن هذا لا يعني أن إسرائيل، رغم نقاط تفوقها، ليست لديها نقاط ضعف، بيد إن نقاط صعفها تكاد أن تكون موضوعية وليست متصلة بفشل السياسات، ومع ذلك فإن نقاط الضعف هذه قد تغدو قاتلةً في لحظة معينة من المواجهة الراهنة وريبما مستقبلية.

ونقاط الضعف لدى إسرائيل تتمثل في الآتي:

1. إسرائيل دولة بلا عمق تاريخي ولا تراث حضاري يجعل من هويتها عنواناً لالتفاف مواطنيها للدفاع عن دولتهم وأرضهم وهويتهم، وكل ما يجمعهم هو الأيديولوجية الصهيونية التي تقوم على خليط من الخرافة والعنصرية وادعاء التفوق العرقي والعدوانية المفرطة تجاه من لا يؤمن بتلك الآيديولوجية من غير أتباع الديانة اليهودية، وكنا قد لاحظنا كيف احتشد المواطنون الإسرائيليون على المطارات لمحاولة الهرب من المعركة بعد حادثة 7 أوكتوبر 2023م طمعاً في الحياة الآمنة، وستتكرر هذه الحالة كلما أشعلت إسرائيل حرباً مع أي من جيرانها.

2. إن محدودية الجغرافيا الإسرائيلية تجعل كل مدنها ومناطقها الحيوية تحت نيران الطرف الآخر، وبمرور الزمن وطول المعركة، قد تتحول هذه الخاصية إلى لعنة على الدولة والمجتمع الإسرائيليين.

3. الفقر الديمغرافي (أقل من10 ملايين مقابل أكثر من 90 مليون نسمة)، وصحيح أن العامل البشري في هذه اللحظة قد لا يكون العامل الحاسم، لكنه في لحظة معينة قد يتحول إلى عنصر حسم نهائي، وقد لاحظنا كيف لجأت الإدارة الإسرائيلية إلى إعادة توزيع بعض القوات العسكرية ونقل بعض الألوية من غزة إلى مناطق حساسة أخرى في الجليل الأعلى ومناطق الأغوار.

4. الخبرة الإسرائيلية في خوض الحروب الطويلة والمباشرة منعدمة، وأغلب معاركها كانت خاطفة وتعتمد على عنصر المفاجأة والمبادأة والخديعة والغدر، ولا نتحدث عن حرب غزة، فهي عبارة عن حرب من طرف واحد بين واحد من أقوى الجيوش في العالم على شعب أعزل لا يمتلك مقاوموه إلا قليلاً من الأسلحة البدائية المصنعة يدوياً، وليست حرباً بين دولتين أو جيشين متماثلين، ومع ذلك فإنه وحتى الكثير من الخبراء الإسرائيليين يعتبرونها حرباً فاشلةً لأنها لم تحقق شيئاً من الأهداف التي أعلنها ناتانياهو يوم تدشين حربه.

ونحن هنا نقارن بين التجربة الإسرائيلية والتجربة الإيرانية في خوض الحروب، حيث خاضت هذه الأخيرة حروباً تمتد إلى عشرات السنين، على مدى مئات وآلاف السنين، ويكفي أن نتذكر أن الحرب العراقية-الإيرانية امتدت لأكثر من ثماني سنوات، أكسبت الجيوش الإيرانية والعراقية خبرات عديدة في صناعة التكتيكات وتغييرها واستبدال بعضها .

5. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه ومنذ تأسيس دولة إسرائيل لأول مرة تقع كل المدن والحواضر والبلدات الإسرائيلية تحت مرمى نيران معادية كما ولهذا الأمر أهمية كبيرة على مستقبل المعركة الراهنة بين القوتين.

6. إن إطالة أمد الحرب قد يؤثر إلى هذا الحد أو ذاك على الحياة المعيشية والحركة الاقتصادية في إيران، لكنها بالنسبة لإسرائيل ستودي إلى تعطيل كلي لحركة الاقتصادية، في مجالات الصناعة والسياحة والزراعة، وحتى في عمل المؤسسات والهيئات غير الانتاجية كالمؤسسات الخدمية والدوائر والمؤسسات التنفيذية حيث إن أكثر من 90% من سكان إسرائيل يقضون معظم أوقاتهم في المخابئ تحت الأرض وهذا يعني التعطيل الكامل لجميع المؤسسات والمرافق ويعني الوبال الكلي على حياة الإسرائيليين الاقتصادية والاجتماعية.

ومن السابق لأوانه التنبؤ بمسارات الحرب التي تعتبر أقوى حربٍ تشهدها المنطقة منذ حرب أوكتوبر 1973م بين مصر وإسرائيل، لكن الاعتقاد الذي تحاول إسرائيل وإعلامها أن تروج له بأنها قد هزمت إيران وأنها تستهدف إسقاط النظام الإيراني لا يخرج من دائرة الحرب النفسية والتسويق الإعلامي المبالغ فيه، كما إن الدعوة لانخراط أمريكا في العمليات العسكرية ضد إيران لا تضيف شيئا كبير الأهمية إلى المشهد الراهن لأن الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الأوروبية هي أصلاً منخرطةٌ في هذه الحرب بكل وسائلها، لكنها لن تعمد إلى التدخل العلني إلا حينما تشعر بانكسار شوكة إسرائيل في المواجهة.

وفي سياق الحديث عن الموقف العربي، إنه لأمر مؤسف أن شرور الدولتين المتحاربتين الموجهة إلى البلدان والشعوب العربية تكاد أن تكون متساوية، وليت القائمين على النظام الإيراني يدركون أن جيرانهم العرب كانوا من أوائل الذين أدانوا الحملة الإسرائيلية على إيران، فهل سيعيدون النظر في نظريتهم لتصدير الثورات ومواصلة إيذاء جيرانهم العرب، وهم اليوم يواجهون العدوان الإسرائيلي، وهل سيصححون موقفهم من هؤلاء الجيران الذين يتضامنون معهم رغم كل الأذى الإيراني الذي تعانيه الشعوب العربية والإسلامية جراء الغطرسة وحملات التخريب الإيرانية في مناطقهم؟

وتبقى أهمية الإشارة إلى الملاحظتين التاليتين:

الملاحظة الأولى: لا يمكن استبعاد أن تتحول الضربة المباغتة التي تعرضت لها إيران وبعض مؤسساتها النووية والدفاعية أن تتحول إلى دافع للتسريع بإنتاج إيران سلاحها النووي وحينها سيتغير ميزان الحرب واتجاهاتها إما إلى مواجهة نووية (وهذا ما لا يسمح به المجتمع الدولي) أو الذهاب باتجاه التفاوض مع دولة نووية وسيكون هذا التفاوض بشروط مختلفة عن هذه اللحظة الملتبسة.

الملاحظة الثانية: إن الكثيرين من العرب يتحمسون لما يتعرض له النظام الإيراني من ضربات إسرائيلية، ويستبشرون باحتمالات سقوط هذا النظام، وعلى هؤلاء أن يعلموا أن سقوط النظام الإيراني (مهما اختلفنا مع سياساته) فيما لو حصل (وهو احتمال مستبعد جداً) لن يكون إلا البداية لالتهام إسرائيل لكل المنطقة المحيطة بها بما في ذلك المطبعين الذين يعتقدون أنهم بالتطبيع قد أمنوا شر الدولة الصهيونية، وهي التي لم تتوقف عن تصدير شرورها إلى جيرانها العرب في الحرب أو في السلم على السواء.