كتب/صالح أبو عوذل
ما قاله نائب وزير الخارجية اليمنية مصطفى أحمد النعمان على شاشة قناة العربية لا يمكن التعامل معه كزلة لسان أو رأي عابر. نحن أمام خطاب سياسي محسوب يضع المملكة العربية السعودية أمام معادلة ملتبسة وخطيرة: إمّا مواجهة الجنوب بالقوة أو فتح الباب لتحالفات مع جماعة الحوثي تحت شعار "الدفاع عن الوحدة اليمنية".
بهذا المعنى لا يقدم النعمان قراءة استراتيجية بقدر ما يلوّح بورقة ابتزاز. حين يقول بوضوح لا يحتمل التأويل إنه "ودّ لو كان حوثياً" لأن "الحوثيين وحدويون" ثم يجيب بابتسامة باردة بأن "كل شيء جائز في السياسة" فهو لا يعبر عن موقف فكري بل يرسل رسالة ضغط على السعودية: "الحوثي يمكن أن يكون خيارًا إذا لم تُستخدم القوة ضد الجنوب".
هذه ليست مجرد مفارقة لغوية بل انقلاب أخلاقي وسياسي كامل. فبعد عشر سنوات من الحرب ومئات الآلاف من الضحايا وتدمير المدن وتشريد الملايين يتحوّل الحوثي — الذي خاض حربًا مفتوحة مع السعودية وهدّد أمنها وحدودها — إلى ورقة تفاوض لا إلى خطر يجب مواجهته. والأسوأ أن هذه الورقة تُستخدم ليس ضد الحوثي نفسه بل ضد الجنوب وضد شريك ميداني كان في صلب المواجهة مع الإرهاب والمشروع الإيراني.
الخطير في هذا الخطاب أنه لا يستهدف الجنوب بقدر ما يستهدف السعودية نفسها. فالرسالة الضمنية واضحة: اضربوا الجنوب أو سنعيد ترتيب تحالفاتنا. وهذا منطق لا يصدر عن دبلوماسي مسؤول بل عن عقل سياسي مأزوم مستعد لاستخدام أي ورقة — حتى لو كانت ميليشيا معادية للإقليم — لتحقيق مكاسب ظرفية.
وليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها مصطفى النعمان لغة الابتزاز السياسي. قبل أسابيع من تعيينه وصف مجلس القيادة الرئاسي بأنه "غير شرعي" و"انقلاب على الدستور" وذهب إلى حد تحميل السعودية مسؤولية "انتهاك السيادة اليمنية". اليوم يعود الرجل نفسه ليطالب الرياض عمليًا بالتدخل العسكري ضد الجنوب باسم الدفاع عن الوحدة.
التناقض هنا ليس تفصيلاً بل يكشف جوهر المشكلة: السيادة تُستدعى حين تخدم الخطاب وتُدهس حين تعيق الحسابات. ما يطرحه النعمان لا يهدد الجنوب وحده بل يضع السعودية في موقف محرج أمام نفسها وأمام حلفائها. فالمملكة التي خاضت معركة طويلة ضد التمدد الإيراني لا يمكن أن تُستدرج إلى مقايضة أمنها بتحالفات رمادية مع جماعة الحوثي ولا أن تُستخدم كأداة لتصفية صراع داخلي باسم وحدة لم تعد موجودة إلا في الخطابات.
أما الجنوب فقد غادر عمليًا منطق الابتزاز هذا. خلافاته مع الأشقاء السعوديين تُدار في إطار الندية وحسن الجوار والشراكة لا عبر استدعاء الميليشيات ولا عبر اللعب على حافة الانهيار. والجنوب كما أثبتت السنوات الماضية كان ولا يزال جزءًا من معركة الخلاص من المشروع الإيراني لا طرفًا فيها.
إن تحويل الحوثي من عدو إلى خيار سياسي ومن تهديد إقليمي إلى ورقة مساومة لا يحمي اليمن ولا وحدته بل ينسف ما تبقى من منطق الدولة ويكشف مأزق نخب لم تجد ما تفاوض به سوى الدم.