يقول المثل الشعبي: حقّكم حق… وحق الناس مَرَق.
ومثلما يتمسّك الناس بحقهم في فنجان القهوة كل صباح، يتمسّك المزارعون بحقهم في أن يبقى البُن اليمني سيّد البُن في العالم. فالقهوة لم تعد مجرد مشروب منبّه يوقظ العقل ويرتّب المزاج، بل صارت هوية وثقافة وتراثًا ضاربًا في عمق التاريخ.
القهوة عشق وللعاشقين عذرهم، وكما قال محمود درويش:
القهوة كالحب… قليلٌ منها لا يروي، وكثيرٌ منها لا يُشبع.
البُن… نبات واحد ولو اختلفت الأسماء
مهما تنوّعت التسميات: يافعي، عديني، خولاني، طَسوي، ناخبي، رِيمي، أبي، صَعْدي، حَجي… أو أصناف عالمية كالحبشي، البرازيلي، الكولومبي، السعودي… فالبُن في النهاية هو البُن: طعم واحد، ورائحة واحدة، وشجرة واحدة. وربما يوجد اختلاف، لكن البُن هو البُن.
ولأن زهرة البُن خنثى تُلقّح ذاتيًا أو خلطيًا، فإن اختلاف المناطق لا ينتقص من الحقيقة الثابتة:
البُن هو الأب الشرعي للقهوة… تلك التي يعشقها الملايين.
البُن اليمني واثقُ الخطوة يمشي مَلِكًا نحو المستقبل
شهد البُن اليمني في السنوات الأخيرة انتعاشًا واضحًا، وعاد تدريجيًا إلى مكانته التاريخية. وقد ازداد هذا الزخم بعد اختيار البُن اليمني كمحصول نقدي رسمي في أحد المؤتمرات الدولية في روما، وهو قرار تبنّاه معالي وزير الزراعة والري والثروة السمكية اللواء سالم عبدالله السقطري.
لم يكن القرار مجرد إعلان، بل فتح الباب واسعًا أمام دعم أكبر لهذا المحصول الوطني، تُرجم فعليًا من خلال إعداد خطة عمل لدعم محصول البُن في المجالات الإرشادية والتوعوية والمدارس الحقلية، والتخطيط لدعم حصاد المياه عبر اعتماد سدود وخزانات لمياه الأمطار، بالإضافة إلى زيادة عدد المشاتل وتشجيع المزارعين على إكثار شتلات البُن، وخفض أسعارها لتكون في متناول الجميع.
كما شارك المزارعون اليمنيون في معارض ومزادات عالمية، وهي خطوة عزّزت ثقة العالم بجودة البُن اليمني وأصالته.
هذه الدلائل تؤكد أن المزارع اليمني يمتلك الإرادة والقدرة على إعادة البُن اليمني إلى عرشه كأجود بُن في العالم.
بلادنا أرض البُن ورجال البُن
أقول لمزارعينا في كل ربوع اليمن:
كلما عرفتم تاريخ آبائكم وأجدادكم… أدركتم سرّ تميّزكم.
لكن التاريخ وحده لا يكفي؛ فالعالم يتغير، وأساليب الزراعة تتطوّر، والخبرة تُكتسب بالانفتاح وتبادل التجارب مع الآخرين.
المناطق المشهورة بزراعة البُن داخل اليمن وخارجها ليست أسرارًا مغلقة، بل أبواب مفتوحة للتعلّم.
حكاية فنجان قهوة غيّر مصير مزرعة
يروي أحد مزارعي البُن في جبال اليمن أنه كان لسنوات يرفض إدخال أي صنف جديد معتقدًا أن ما ورثه عن أبيه هو الأفضل. وفي إحدى زياراته لأحد معارض البُن، تذوّق فنجان قهوة من صنف جديد جُلب من منطقة أخرى.
أعجبته النكهة، فابتسمت له إحدى السيدات القائمات على المعرض وقالت:
يا عم ناجي… البُن مثل الناس، ما تدري من وين يجيك صاحب المزاج!
عاد الرجل ومعه بعض الشتلات… جرّبها في أرضه فنجحت وارتفعت إنتاجيتها، وأصبح اليوم من أبرز مزارعي البُن في منطقته.
وهذه الحكاية لخصت الحكمة الشعبية: التجربة خير برهان، والقهوة تُعرف من طعمها لا من لونها.
ويقول المثل الشعبي أيضًا:
القهوة عند الضيف كرامة… وعند الصاحب مودة.
رسالتي لمزارع البُن
فلنعمل معًا، ولا تكن متقوقعًا وتقول: حبّتي ولا الديك، وحقّك حق وحق الآخرين مَرَق.
كن منفتحًا، اسأل أهل المعرفة، وجرب كل ما يقع تحت يديك بعد استشارة مختص.
لا تخافوا من تجربة أصناف جديدة بشرط التأكد من سلامتها عبر المختصين.
لا تترددوا في تبادل الشتلات والبذور.
لا تُغلقوا أبواب المعرفة… فالزراعة فن يتطوّر بالانفتاح.
نحن في قطاع البحوث والإرشاد الزراعي مستعدون لنكون البذور… وأنتم الحقول.
فلنعمل معًا لرفع جودة البُن في بلادنا كمًا ونوعًا، ليعود البُن اليمني إلى عرشه العالمي.
عبدالقادر السميطي
دلتا أبين