عزيزي المزارع
عندما تنظر إلى نباتاتك في الحقل تذكّر دائمًا أنك أمام كائنات حيّة تستجيب للظروف تمامًا كما يستجيب الإنسان. فكما يحتاج الإنسان إلى بيئة مناسبة وغذاء متوازن ومسافة آمنة ليتنفس ويكبر ويعيش بصحة، يحتاج النبات إلى الشيء نفسه ليمنحك إنتاجًا وفيرًا وجودة عالية.
الدورة الزراعية مثل التباعد بين الولادات في الإنسان
في الإنسان يمنح التباعد بين الولادات الأم فترة راحة من الحمل ويمنحها صحة أفضل، كما يعطي الأطفال فرصة للنمو وقوة ومناعة أعلى. وفي النبات تقوم الدورة الزراعية بالدور نفسه، فهي تمنح التربة فترة راحة وتعيد توازن العناصر الغذائية وتكسر دورة حياة الآفات والأمراض.
مثال حي على ذلك
خلال أحد النزولات الميدانية إلى حقول الفول السوداني في منطقة الحصن لاحظ الفريق البحثي أن المزارعين الذين زرعوا الفول السوداني بعد الذرة الرفيعة حصدوا محصولًا أعلى بنسبة 35%، بينما المزارعون الذين أعادوا زراعة الفول السوداني في نفس التربة وفي نفس المكان عانوا من انتشار أعفان الجذور والذبول المبكر وانتشار الآفات بشكل كبير جدًا. هذا المثال أوضح للمزارعين كيف أن التباعد بين الولادات في الإنسان يشبه تمامًا تعاقب المحاصيل في الأرض (الدورة الزراعية).
الكثافة النباتية أشبه بعدد الأسرّة في مستوصف صغير
تخيّل معي مستوصفًا صغيرًا يحتوي على 10 أسرّة فقط لكنه يستقبل 40 مريضًا. بهذا الوضع لا يمكن لأحد أن يحصل على رعاية جيدة… وهذا هو حال النباتات عندما تتزاحم.
مثال على ذلك 1
شاهدتُ بأمّ عيني في موسم 2024 أن بعض مزارعي السمسم في منطقة المخزن زادوا عدد النباتات في الجورة الواحدة على أمل زيادة الإنتاج، لكن النتيجة كانت مفاجِئة؛ حيث حصلوا على نباتات ذات سيقان ضعيفة ونبات بساق واحدة غير متفرعة وكبسولات قليلة وحبوب ضعيفة، ونقص الإنتاج بنسبة وصلت إلى 30–40% إضافة إلى رداءة المحصول. بينما في الحقول المجاورة التي التزمت بالكثافة الموصى بها (نبات واحد في الجورة) كانت النباتات قوية ومتفرعة وعدد الكبسولات في كل فرع أعلى والإنتاجية ممتازة جدًا.
مثال 2 المسافات الزراعية لمحصول القطن
أظهرت الممارسات الميدانية أن كثيرًا من خسائر المزارعين تعود إلى زراعة النباتات بشكل مزدحم، ما يؤدي إلى تنافسها على الماء والغذاء والضوء.
فمثلًا: زراعة القطن بتباعد 80 سم بين الخطوط و30–40 سم بين النباتات أعطت إنتاجًا ممتازًا، بينما زراعة القطن بتقارب كبير تسببت بانتشار الآفات وضعف النمو.
النتيجة واضحة: كل نبات يحتاج مساحته ليعطيك أفضل ما لديه.
التغذية في النبات كما في الإنسان
هل يمكن لصحن واحد من الأرز يكفي شخصين أن يُشبع خمسة أشخاص؟ بالطبع لا.
ونفس الأمر في النباتات.
فأثناء تقييم الحقول الإيضاحية التي دعمتها منظمة كير العالمية في منطقة ساكن وعيص تبيّن أن الحقول الإيضاحية التي حصلت على السماد العضوي (الكمبوست) قبل الزراعة أنتجت نباتات قوية بلون أخضر داكن، بينما الحقول المجاورة التي لم يُضف إليها أي نوع من الأسمدة ظهرت عليها أعراض الاصفرار والضمور. وكان الدرس واضحًا للمزارع؛ فالنبات مثل الإنسان… إذا جاع ضعف وقد يمرض ويموت.
اختيار الأسمدة والمبيدات كاختيار دواء لإنسان مريض
لا يمكن لأي شخص أن يشتري دواءً لطفله من محل غير مختص… وكذلك لا يجب على المزارع شراء مبيد أو سماد من مصدر غير موثوق.
فمثلًا: في أحد مواسم الطماطم في منطقة الديو اشترى بعض المزارعين مبيدًا مقلدًا من أحد الباعة المتجولين، فأدى إلى احتراق أوراق الطماطم خلال ساعات. بينما المزارعون الذين اشتروا من محلات معروفة وموثوقة (مثل محلات الحسيني) لم يواجهوا أي مشاكل. تدخلتُ شخصيًا وعملت على توعية المزارعين، وقلت لهم إن المبيد ليس زجاجة عطر، بل دواء خطير يجب أن يُختار بعناية.
أنا لست ضد المبيدات ولكن ضد سوء استخدامها
المبيدات ليست عدوًا، لكنها قد تصبح كذلك إذا أسيء استخدامها.
فمثلًا: في أحد مواسم زراعة الطماطم وتحديدًا في منطقة الحصن حَلْمه قام أحد المزارعين بخلط مبيدين معًا ورشّ بجرعة مضاعفة، فظهرت علامات الحرق على الأوراق بعد 48 ساعة فقط، وكنتُ شاهد عيان على ذلك. وعندما سألته لماذا فعلت ذلك قال: كنتُ أظن أن زيادة الخلط تزيد فعالية المبيد. فقلت له: الأمر يشبه زيادة جرعة دواء الطفل، فقد تتسبب بقتله… وزيادة الجرعة للنبات قد تدمره وتحرقه.
رسالتي لجميع المزارعين
تذكّر دائمًا أن النبات ليس جمادًا… بل كائن حي تمامًا مثل الإنسان.
يعاني، يجوع، يمرض، يتحسن… ويتفاعل مع ما تقدمه له من تربة وماء ومسافة وغذاء ورعاية.
وكلما فهمت هذا التشابه أصبح إنتاجك أعلى وجودتك أفضل وتكلفة إنتاجك أقل.
عزيزي المزارع
إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب.
عامل نباتاتك كما تعامل أطفالك: غذاء متوازن، مسافة كافية، ورعاية مستمرة… وستحصد الخير أضعافًا مضاعفة.
عبدالقادر خضر السميطي
دلتا أبين