تقرير / منير النقيب
يشهد الملف اليمني مرحلة حساسة مع تجدد الدعوات الدولية إلى وقف الحرب وتهيئة الظروف لعملية سياسية شاملة.
ورغم أن دعوة مجلس الأمن الأخيرة تُعد خطوة إيجابية في مسار البحث عن حل شامل للأزمة، إلا أن العديد من الأطراف الجنوبية ترى أن أي انتقال سياسي لن ينجح ما لم يتجاوز المرجعيات القديمة التي لم تعد تتناسب مع واقع البلاد اليوم، وفي مقدمتها مبادرة الخليج ومخرجات مؤتمر الحوار 2013م.
مرجعيات تجاوزها الزمن
يرى مراقبون جنوبيون أن المبادئ التي صيغت قبل سنوات الحرب لم تعد تستوعب التحولات العميقة التي شهدتها البلاد، خصوصًا في الجنوب، حيث تبلورت تطلعات شعبية واسعة نحو استعادة الدولة الجنوبية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها عدن. وتشير قيادات جنوبية إلى أن تلك المرجعيات تجاهلت جوهر القضية الجنوبية، ووُضعت قبل تغيّر موازين القوى على الأرض خلال السنوات الأخيرة.
* الرئيس الزُبيدي في مجلس الأمن
وخلال كلمة ألقاها الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، أمام مجلس الأمن الدولي في جلسة المناقشة المفتوحة رفيعة المستوى قبل عام، أكد أن القضية الجنوبية تم تهميشها لسنوات طويلة، رغم كونها إحدى القضايا الجوهرية التي ينبغي أن تكون في صدارة أي حل سياسي. وذكّر بأن مشاورات مجلس التعاون الخليجي بالرياض في عام 2022م أقرت وضع إطار تفاوضي خاص بالقضية الجنوبية، باعتبارها مفتاحًا لتحقيق السلام الشامل.
كما شدد الزُبيدي على أهمية إشراك الشباب والنساء والأقليات في العملية السياسية، معتبرًا أن السلام المستدام لا يمكن أن يُبنى دون عملية شاملة تُنهي مرحلة التهميش وتُعيد صياغة مستقبل البلاد بطريقة عادلة.
*تغيير المرجعيات القديمة
تجاهل مجلس الأمن في بيانه الأخير الإشارة إلى القرار 2216، وهو ما اعتبره البعض مؤشرًا على أن المرجعيات السابقة لم تعد صالحة للحل، وأن المجتمع الدولي بات يُدرك أن السياق السياسي تغير جذريًا. ويرى المجلس الانتقالي أن المرحلة الحالية تتطلب إطارًا تفاوضيًا جديدًا يعكس وقائع الأرض ويعبر عن تطلعات المواطنين، خصوصًا في الجنوب.
*حل سياسي عادل
ويؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الزُبيدي، انفتاحه على أي مسار سياسي مسؤول يضمن حق شعب الجنوب في تقرير مستقبله السياسي واستعادة دولته، ويحقق سلامًا عادلًا ومستدامًا لجميع الأطراف. كما يشير إلى أن صمود المجلس، الذي بات يمثل «درع الجنوب»، ليس موقفًا سياسيًا مؤقتًا، بل مشروع وطني راسخ يقوم على الحق التاريخي والشرعي في استعادة دولة الجنوب وحدودها المعترف بها دوليًا قبل 21 مايو 1990م.
ويشدد الانتقالي على أن أي عملية سياسية دولية مقبلة يجب أن تكفل هذا الحق للشعب الجنوبي دون وصاية أو تدخلات خارجية، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية.
*تثبيت للثوابت وتجديد للعهد
وفي خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر، جدّد الزُبيدي التأكيد على الثوابت الوطنية الجنوبية، وربط بين محطات النضال الممتدة من ردفان إلى معارك اليوم، مجددًا العهد بالسير نحو الاستقلال الثاني واستعادة الدولة. ويعتبر مراقبون أن الخطوة السياسية التي يحققها المجلس الانتقالي تُعد انتصارًا جديدًا لإرادة شعب الجنوب وعدالة قضيته.
* إنهاء الصراع
وفي كلمة أخرى ألقاها أمام مجلس الأمن، دعا الرئيس الزُبيدي إلى نهج شامل لإنهاء الصراع في اليمن، مؤكدًا أن تأمين السلام يتطلب قيادة دولية وإقليمية ومحلية فاعلة قادرة على دفع العملية السلمية. وأعرب عن قناعته بأن العمل الجماعي قادر على تحقيق مستقبل عادل لكل اليمنيين إذا توفرت الإرادة السياسية.
كما أشار إلى أن الوضع الراهن لم يعد مقبولًا، وأن مصلحة الشعب اليمني تتطلب إنهاء الحرب وإيجاد حل دائم، وهي رؤية تتقاطع مع مواقف المجتمع الدولي. إلا أنه لفت إلى أن مجلس الأمن، في كثير من الأحيان، يفتقر إلى الإرادة السياسية اللازمة، ما يؤدي إلى تفاقم الصراعات.
*السلام يبدأ من الجنوب
ويرى العديد من الخبراء السياسيين أن بيان مجلس الأمن الأخير، الذي أكد أن الحل لن يكون بالحرب بل بالسلام، يتوافق مع الرؤية الجنوبية التي ترى أن السلام الحقيقي يبدأ باستعادة الجنوبيين دولتهم المستقلة. فالحل العادل والمستدام للأزمة في اليمن لن يتحقق — بحسب قيادات الانتقالي — إلا بعودة الدولة الجنوبية المعترف بها دوليًا قبل 21 مايو 1990م.
*لا سلام دون الجنوب
في كل خطاب وموقف، يعيد المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي التأكيد على أن السلام العادل لا يتحقق إلا بالاعتراف بحق شعب الجنوب في استعادة دولته كاملة السيادة، وأن تجاهل هذه الحقيقة لن يُنتج سوى مزيد من الدوران في حلقة الصراع.