صدر في مدينة عدن العدد العشرون من مجلة بريم، الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، متضمّنًا ملفًا بحثيًا موسعًا بعنوان:
«الحرب الأمريكية على الإرهاب في اليمن (2000–2025): من ازدواجية صنعاء إلى نموذج عدن الأمني»،
وذلك في سياق مشروع بحثي تتبناه المجلة لرصد التحولات الإقليمية في الشرق الأوسط والبحر الأحمر وخليج عدن، وتحليل علاقة الأمن المحلي بالسياسات الدولية في المنطقة.
يتناول العدد مسار الحرب الأمريكية على الإرهاب في اليمن على مدى عقدين كاملين، منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، مرورًا بالحرب الأمريكية بالطائرات بدون طيار، وصولًا إلى التجربة الجنوبية في مكافحة الإرهاب، التي أعادت تعريف الأمن المحلي من خلال عمليات سهام الشرق في أبين وشبوة وحضرموت.
خصصت المجلة محورًا بحثيًا متكاملًا من إعداد الباحث صالح أبوعوذل – بعنوان: «الحرب الأمريكية على الإرهاب في اليمن (2000–2025).. من ازدواجية صنعاء إلى نموذج عدن الأمني»،
حلّلت فيه الورقة سياسات واشنطن تجاه الإرهاب في اليمن، وكيف اعتمدت الولايات المتحدة طوال عقدين على الضربات الجوية دون بناء تحالفات ميدانية مع القوى المحلية الفاعلة.
وأوضح الباحث أن القوات الجنوبية كانت هي القوة الوحيدة التي خاضت حربًا حقيقية ضد الإرهاب، من خلال عمليات سهام الشرق التي أطلقتها القيادة الجنوبية في أبين عام 2022، ونجحت في دحر تنظيم القاعدة من وادي عومران والخيالة وسلسلة الجبال الممتدة نحو شبوة.
ورأت الورقة أن تجاهل واشنطن لهذه الإنجازات الميدانية يمثل استمرارًا لسياسة "الإدارة عن بُعد" التي جعلت الحرب على الإرهاب في اليمن تدور في حلقة مفرغة، مشيرةً إلى أن الجنوب بات اليوم النموذج الواقعي الوحيد للأمن المحلي القائم على المجتمع والشراكة مع التحالف العربي، وبدعم فعّال من الإمارات العربية المتحدة.
يتضمّن العدد محورًا تحليليًا حول جماعة الإخوان المسلمين ودورها الملتبس في الحرب على الإرهاب، بعنوان: «ازدواجية الموقف الإخواني من الحرب على الإرهاب.. بين الخطاب الديني والبراغماتية السياسية»، والذي يوثّق مواقف نواب حزب الإصلاح في البرلمان اليمني من الضربات الأمريكية، خصوصًا عقب مقتل القيادي المحلي جابر الشبواني في مأرب عام 2010، حيث أدانت الكتلة البرلمانية للحزب العمليات الأمريكية واعتبرتها "انتهاكًا للسيادة اليمنية"، رغم كون القتيل محسوبًا على التيار الإسلامي الوسيط بين القاعدة والحكومة.
ويبيّن التقرير أن هذه الازدواجية مكّنت الحزب من الظهور كتيار "وطني" رافض للتدخل الخارجي، في حين كان يستفيد من استمرار وجود التنظيمات المتطرفة كورقة ضغط سياسية ضد خصومه في الجنوب وصنعاء.
كما يتناول العدد في محور خاص الدور السعودي في الحرب على الإرهاب، مشيرًا إلى أن الرياض تبنّت مقاربة أمنية مترددة بعد 2015، إذ ركّزت على الصراع السياسي أكثر من دعم الشراكة الميدانية مع الجنوب، وواصلت العمل عبر قنوات الحكومة المركزية، رغم انكشاف ضعفها في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية على السواء.
وتوضح الورقة أن هذه السياسة ساهمت في تعطيل الجهود الأمنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وأن السعودية لم تقدّم دعمًا فعليًا لعمليات سهام الشرق رغم كونها جزءًا من الحرب المشتركة ضد القاعدة.
في محورٍ آخر، قدّمت المجلة قراءة تحليلية شاملة في عملية سهام الشرق، التي أعادت رسم ملامح الحرب على الإرهاب في اليمن، معتبرةً أنها "تحوّل استراتيجي في موازين القوة داخل الجنوب"، بعد أن تمكنت القوات المحلية من اجتثاث التنظيم من معاقله دون وصاية خارجية.
ورصد التقرير استخدام التنظيم لعبوات ناسفة وطائرات مسيرة إيرانية الصنع، مما أكد وجود تنسيق غير مباشر بين الحوثيين وتنظيم القاعدة، في إطار ما تصفه الورقة بـ"التحالف الرمادي" بين الجماعات المتطرفة في الشمال.
واستشرف العدد «مستقبل الحرب على الإرهاب في اليمن بعد عام 2025»، حيث تتنبأ بتصاعد الدور الجنوبي المؤسسي في إدارة ملف مكافحة الإرهاب، وضرورة أن تعيد الولايات المتحدة صياغة استراتيجيتها من خلال الانخراط المباشر مع القوى المحلية الجنوبية، بوصفها الشريك الأكثر موثوقية في حماية المصالح الدولية في خليج عدن والبحر العربي.
وضمن محورٍ تحليلي موازٍ، يتناول العدد مفهوم «دبلوماسية محمد بن زايد» بوصفها نموذجًا جديدًا للسياسة الإماراتية في الإقليم، القائم على التوازن بين الحزم والمرونة، واعتبار الاستقرار الإقليمي أولوية استراتيجية.
وترى سكرتير تحرير المجلة د. شورى فضل أن هذه الدبلوماسية شكّلت الإطار الفكري والعملي الذي مكّن الإمارات من لعب دورٍ محوريٍّ في مكافحة الإرهاب، ودعم القوات المحلية في اليمن، وبناء منظومة أمنية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
ويشير التحليل إلى أن سياسة أبوظبي القائمة على “القوة الهادئة” أثبتت أن محاربة الإرهاب ليست فقط معركة أمنية، بل مشروع بناء مجتمعات قادرة على حماية استقرارها، وهو ما تجسّد بوضوح في التجربة الجنوبية التي دعمتها الإمارات منذ عام 2015.
تُكرّم المجلة في هذا العدد المفكر والأكاديمي الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله بوصفه "شخصية العدد"، تقديرًا لإسهاماته الفكرية في تحليل التحولات الإقليمية ورؤيته حول تطور النظام العربي الجديد.
🔹 مجلة بريم – العدد العشرون | أكتوبر 2025
صادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات – عدن
من / ليان صالح